
لبنان خارج "مدار الزلازل" اما غزة فمسالة اخرى؟!
الاحداث - كتب جورج شاهين في صحيفة الجمهورية يقول:"على مدى عامَين و4 أشهر بقيَت النظرة إلى ما جرى في قطاع غزة ولبنان موضع تجاذب فرُبِط بينهما لفترات متقطعة، ذلك أنّ السبب الذي أشعل الحربَين كان واحداً. ولمّا حصل تفاهم 27 تشرين الثاني الماضي تكرّس الفصل بينهما. كان ذلك قبل أن ينهار النظام في سوريا ويُصاب "محوَر الممانعة" بما أصابه فحلّت النكبة. وعليه طُرح السؤال: هل خرج لبنان من مدار الزلازل؟ وهل يمكن أن يتكرّر ذلك في غزة؟
تُجمِع مراجع ديبلوماسية وسياسية وعسكرية على صعوبة البَتّ نهائياً بأنّ الحرب التي شُنَّت على لبنان، قد انتهت في ظلّ استمرار احتلال الجيش الإسرائيلي بعض المواقع على الحدود وتزايد الخروقات الإسرائيلية براً وبحراً وجواً، من دون التصدّي لها خارج إطار الاتصالات التي لم تتوقف لدى القوى الدولية الضامنة لتفاهم 27 تشرين الثاني 2024 وفي مقدّمها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا لإنهاء الاحتلال نهائياً، وسحب قواته من المواقع الثمانية المحتلة، هذا عدا عن مبادرات مجموعة من الدول الصديقة التي تتدخّل "على القطعة" لمصلحة لبنان، إن صحّت المعلومات التي تحدّثت عن اتصالات أجرتها القيادة القطرية بالحكومة الإسرائيلية بغية ضمان إمرار مراسم تشييع الأمينَين العامَّين لـ"حزب الله" أول أمس الأحد، من دون أي ردّ فعل إسرائيلي تعطيلي كانت قد أوحت به.
ولذلك، اقتصر ردّ الفعل الإسرائيلي للتعبير عن غَيظه من "المشهدية" التي تركتها مراسم الوداع، على العرض الجوي الذي نفّذته 8 طائرات حربية حلّقت على مرحلتَين فوق جموع المُشيِّعين في مدينة كميل شمعون الرياضية والشوارع المحيطة بها وصولاً إلى موقع المرقد الأخير الذي خُصِّص للسيد نصرالله على طريق المطار القديمة، مدّعيةً أنّ هذه الطائرات كانت من ضمن السرب الكبير، الذي نفّذ عملية الاغتيال في 27 أيلول الماضي وأودت بالسيد نصرالله ورفاقه، للإمعان في استغلال جبروتها وعنجهيّتها وادّعائها بنجاح العملية وما سبقها وتلاها من اغتيالات طاولت معظم أركان القيادة الحزبية.
بمعزل عن هذه الملاحظات التي لا يمكن تجاهلها، فإنّ استمرار الغارات الإسرائيلية على مناطق مختلفة من جنوب لبنان وبقاعه وبعض مناطق إقليم التفاح في جبل لبنان الجنوبي، يُوحي بأنّ التوصّل إلى الحديث عن وقف ثابت ونهائي لإطلاق النار ما زال مبكراً طالما أنّ البحث لم ينتقل إلى المرحلة التي تلي مهلة الـ60 يوماً، التي امتدّت من تاريخ التفاهم إلى 27 كانون الثاني، من دون تحقيق ما قالت به من إجراءات عسكرية وديبلوماسية وسياسية. وجاء تمديدها حتى 18 شباط ليزيد في الطين بلّة. ومردّ ذلك إلى التخبّط الذي تعيشه اللجنة العسكرية الخماسية التي لم يكن لها حتى اليوم أي موقف ثابت ونهائي يمكن الإعلان عنه صراحة عند تقييمها المهمّة التي كُلِّفت بها.
وإن كانت الخروقات الإسرائيلية المبنية على قرار آحادي، من بين الأسباب التي أدّت إلى هذه المرحلة من الغموض، فإنّ الحديث في الكواليس السياسية والديبلوماسية يُشير إلى التشكيك المتنامي بقدرة الولايات المتحدة الأميركية على لجم إسرائيل بفعل تشعُّب وتعدُّد الملفات المطروحة بين واشنطن وتل أبيب، نتيجة ما كفله كتاب الضمانات الأميركية لها وما أعطاها من حَقّ في المراقبة والتدخّل العسكري الذي عطّل بنوداً عدة من نقاط التفاهم الـ13 وتكوّن منها التفاهم الأساسي. ذلك أنّ الخلافات في وجهات النظر بينهما ما زالت تغلّف مواقفهما من حربَي لبنان وغزة، وصولاً إلى ما يَجري على الساحتَين السورية والعراقية، امتداداً إلى الملف النووي الإيراني، طالما أنّ مشاريع وسيناريوهات الحرب على طهران لم يتوقف البحث في شكلها وتوقيتها وأهدافها بعد.
وبناءً على كل ما تقدّم، ترى المراجع عينها أنّها مضطرة إلى التعمّق في أسباب وعوامل أخرى دفعت إلى تريُّث القوى الضامنة في قول كلمتها الفصل في ما جرى ويَجري، وتحميل المسؤولية إلى الجهة التي نكثت بما تعهّدت به. ذلك أنّ تحميل المسؤولية إلى الجانب اللبناني، وخصوصاً على مستوى قدرة الجيش على ضبط الوضع جنوب نهر الليطاني بالتعاون والتنسيق مع قوات "اليونيفيل" ليس منطقياً، وقد تلاحقت الشهادات التي أعطاها الجميع حول قدرته على تنفيذ ما أوكِلت إليه من مهمّات في تلك المنطقة.
وما يُعطِّل هذه الثقة، تُضيف المراجع عينها، لا يمكن تقديرها أو منحها أي أهمية سوى أنّه كان المطلوب من العهد الجديد رئيساً وحكومة تنفيذ بقية الخطوات المطلوبة على كل الأراضي اللبنانية لجهة جمع سلاح "حزب الله" ومراكز تصنيعه من اليوم، قبل أن يُعطى المهلة الكافية لاستيعاب حالات الإنكار التي ما زالت قائمة بأنّ الحرب انتهت إلى هزيمة لحقت بـ"حزب الله" ومحور المقاومة كاملاً، والحاجة إلى توليد الأجواء السياسية التي تسمح بالانتقال إلى تلك المرحلة المتقدّمة لتصبّ كل الجهود المبذولة في إطار قِيام الدولة القوية والقادرة على إدارة شؤون اللبنانيِّين والمقيمين على أرضها من لاجئين ونازحين وضمان التحوّل الإصلاحي المطلوب على المستوى الوطني الذي يُخرج لبنان من مدار الأزمات الإقتصادية والإجتماعية التي أنهكته وغيّبت معظم مؤسسات الدولة عن أدوارها ومهمّاتها الطبيعية.
وإلى أن تنتهي المراجع السياسية والديبلوماسية من قراءتها النهائية للتطوّرات وما يمكن أن تحققه الحكومة الجديدة، فإنّ ما هو ثابت أنّه لن تكون هناك أسباب وجيهة تقود إلى تجدّد الحرب في لبنان. فهو خرج من مدار الزلازل الإقليمية والدولية وإن طال الزمن. فقيادة "حزب الله" عبّرت عن انضوائها تحت لواء الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية في مواجهة الوضع في الجنوب. كما التصميم على الإنخراط أكثر في الحياة السياسية، بعد تراجع كل الخطط والأدوار التي كانت مطلوبة إقليمياً ودولياً لمجرّد عدم القدرة على الحضور مرّة أخرى في سوريا أو اليمن كما في غزة.
فالجميع يُدرك أنّ اليمن بات بعيداً من مجريات الحدث اليومي بعد انتهاء "حرب الإسناد" وسقوط نظرية "وحدة الساحات". وباتت قضية غزة في عهدة مجموعة "الدول الست" التي التقت في الرياض قبل أيام، وتستعد لمبادرة جديدة تُطرَح في قمة القاهرة يوم 4 آذار المقبل، لتقديم البديل المنطقي عن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في شأن إخلاء قطاع غزة من سكانه وتوزيعهم على دول المنطقة والعالم، تمهيداً لتحويله "ريفييرا الشرق". وهي عملية باتت على قاب قوسَين أو أدنى من أن تتحقق لتخرج غزة بدورها من "أنفاق حماس" إلى مدار توليد إدارة جديدة للقطاع يجري تحضيرها في الكواليس الديبلوماسية والاقتصادية، وقبل ذلك لن يخرج القطاع من مدار الزلازل في المنطقة.