
حكومة إنقاذ بدون «قوة معطّلة»!
الأحداث- كتب سعد إلياس في صحيفة القدس العربي يقول:"نجح نواف سلام، المكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية، بإعلان حكومة تستطيع خوض معركة إنجاز إصلاح عام تأخر كثيرا. شدد سلام، في تصريحاته، على نبذ الممارسات التي طبعت الحكومات السابقة المتعاقبة، التي قامت، كما قال، على «مبدأ المحاصصة» و«الثلث المعطل» والذي جعل منها، كما قال، «حكومات شلل وطني».
جاء سلام من محكمة العدل الدولية، التي شهدت خلال رئاسته دعوى جنوب افريقيا الشهيرة ضد إسرائيل، كما تضم الحكومة وزراء مثل طارق متري، نائبه، الذي تقلد مناصب علمية وسياسية كبيرة بدوره، وغسان سلامة، الأكاديمي والشخصية الشهيرة عالميا، الذي تقلد وزارة الثقافة، وحنين السيد، وزيرة الشؤون الاجتماعية، الأكاديمية والخبيرة في شؤون الاستجابة الاجتماعية للأزمات، وعامر البساط، وزير الاقتصاد والتجارة، الذي كان كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، وعادل نصار، وزيرا للعدل، وهو أستاذ جامعي، ومستشار قانوني بنكي، وهؤلاء مجرد أمثلة على طاقم الحكومة التي يمتلك مجمل وزرائها الآخرين خبرات أكاديمية واقتصادية وسياسية عالية.
جاء تكليف سلام كخطوة طبيعية بعد انتخاب جوزف عون رئيسا، في 9 كانون ثاني/ يناير الماضي، بعد شغور رئاسي قارب العامين، وكان التوجّه الإصلاحي واضحا في خطاب عون الذي قال فيه إن اللبنانيين وصلوا إلى «ساعة الحقيقة» و«نحن في أزمة حكم يفترض فيها تغيير الأداء السياسي والاقتصادي».
تمضي تصريحات سلام الأولى بالاتجاه نفسه، ويمثل حديثه عن «استكمال تنفيذ اتفاق الطائف» إشارة إلى إدارة لإعادة التوازنات السياسية إلى ما قبل الاختلال الكبير الذي رعاه تحالف النظام السوري مع إيران، وتجلى في تحالف «الثلث المعطل». يشير تشديد سلام أيضا على الإصلاحات المالية والاقتصادية والسلطة القضائية المستقلة إلى الأزمة الشاملة التي ذكرها الرئيس الحالي عون.
أعطى حدث سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، الذي كان يشكّل وصاية «معطلة» إضافية على لبنان، دفعة إيجابية كبرى لهذه التطورات اللبنانية التي تراكبت مع عوامل إقليمية إيجابية عبرت عنها عودة المملكة العربية السعودية للنشاط في لبنان، بعد استنكاف سلبيّ لزمن طويل، كما تابعت قطر في دورها الصعب في إنجاز التسويات الصعبة لما لها من وزن إقليمي مؤثر ومحترم على «التحالف الشيعي» وخصومه معا.
تمكن سلام وعون أيضا من احتواء محاولة الولايات المتحدة الأمريكية، التي دخلت بقوة على مشهد انتخاب الرئيس، استغلال الانقلاب في موازين القوى، لفرض «تعطيل» بدورها، على تمثيل «حزب الله» في الحكومة اللبنانية الجديدة، وبقيت إسرائيل، عمليا، بقدرتها على القتل والتخريب، عنصر محاولات التعطيل الرئيسية في لبنان، وهو أمر تأخذه الحكومة اللبنانية على محمل الجد.
تمثل ولادة الحكومة اللبنانية إنجازا كبيرا نجح فيه سلام في تدوير الزوايا التي يقوم عليها النظام الطائفي اللبناني، غير أنه ما كان لينجح لولا اعتراف مجمل القوى السياسية والطائفية بالأزمة الهائلة التي عطلت البلاد وجعلتها في حاجة ماسة إلى إنقاذ اقتصادي ومالي يكون مقدمة لإعادة إعمار ما دمرته حرب إسرائيل الوحشية على لبنان… وعقود انفلات القانون والفساد.