![](https://alahdath24.com/media/cache/news_single/uploads/images/a80575c66b081d3587a19c5a384cf04b.png)
حكومة "النُخب" اللبنانية تحظى بغطاء دعم واسع... تحديات كبيرة سيادية وإصلاحية تنتظر الإقلاعة غداً
الاحداث- كتبت صحيفة النهار تقول:"عاش لبنان في الساعات الثماني والأربعين الأخيرة حدثاً لا يقل إثارة للمشاعر والانفعالات الإيجابية الغالبة عن انتخاب رئيس الجمهورية العماد جوزف عون في مفارقة تزامن ولادة الحكومة الجديدة مع مرور شهر واحد على انتخاب الرئيس عون. ذلك أن إعلان مراسيم تشكيل حكومة الرئيس نواف سلام عصر السبت الماضي من 24 وزيراً يغلب عليهم طابع الاختصاصات العملية والأكاديمية والخبرات الكبيرة أحدث دائرة ضخمة من ردود الفعل المحلية والخارجية المرحبة ليس فقط بالولادة السريعة للحكومة التي لم تتجاوز مدة تأليفها الـ26 يوماً، بل الأهم بالتبديلات الجذرية البنيوية التي برزت في تشكيلها لجهة كسر قوالب سياسية قسرية حكمت تشكيل الحكومات منذ أكثر من عقدين وجعلت القرارات والسياسات الحكومية رهينة ما كان يسمى الثلث المعطل الذي أتاح لمحور الثنائي الشيعي "أمل" و"حزب الله" التحكم بكل مفاصل السلطة والدولة والمؤسسات. ومع أن الترحيب غلب بقوة على المشهد الداخلي غداة تشكيل الحكومة فإن ذلك لم يحجب بداية توجيه الأنظار نحو التحديات الضخمة التي ستواجهها "حكومة الإصلاح والإنقاذ" كما أطلق عليها رئيسها نواف سلام، وهي عملياً تحديات ذات طبائع متعددة ومتشابكة ومعقدة ولا بد أن تندرج عناوين معالجاتها في البيان الوزاري للحكومة الذي ستشكل من أجل صياغته لجنة وزارية في أول اجتماع يعقده مجلس الوزراء غداً الثلثاء في قصر بعبدا بعد أخذ الصورة التقليدية للحكومة.
ففي حين يترقب اللبنانيون العناوين التفصيلية للخطط الإصلاحية التي يفرضها تراكم الأزمات القاسية التي عانوا منها منذ سنوات ستجد الحكومة الجديدة نفسها أيضاً في مواجهة تحديات حدودية داهمة جنوباً وشرقاً إن من حيث ملف تنفيذ اتفاق وقف النار والانسحاب الإسرائيلي من الجنوب وإن من حيث البؤرة الأمنية الخطيرة التي فتحت على الحدود اللبنانية- السورية الشرقية الشمالية بين قوات السلطة السورية الجديدة والعشائر الشيعية اللبنانية. وبذلك ستكون أمام الحكومة مروحة واسعة من الأولويات والتحديات المتزاحمة التي ستختبر الوزراء الجدد كما العهد سواء بسواء. ولكن ذلك لا يحجب قوة الدعم الواسع الذي يتوافر حالياً للحكومة الصاعدة والتي ما أن أُعلنت ولادتها حتى كرت سبحة التأييد الغربي والعربي الواسع لها أسوة باتساع الترحيب الداخلي بها، بما يعني أنه سيتوافر لها فسحة واسعة من الدعم والترقب ولكنها ستكون تحت مجهر محلي وخارجي شديد التركيز على السياسات والإجراءات التي ستتخذها لترجمة مضامين مبدئية وتغييرية وإصلاحية طابعها جذري وردت في خطاب القسم لرئيس الجمهورية كما في بيانات وتعهدات رئيس الحكومة نواف سلام.
ووسط توالي ردود الفعل الخارجية جددت فرنسا أمس ترحيبها بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، وتوجّهت وزارة الخارجية الفرنسية بـ"التهنئة الحارة"، مؤكدةً دور رئيس مجلس الوزراء نواف سلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري في "مساهمتهما الحاسمة في الوصول إلى هذه النتيجة". وتمنّت للحكومة الجديدة "كل النجاح في أداء مهمتها التي تأتي في لحظة تاريخية وحاسمة بالنسبة لمستقبل لبنان". وأعلنت أنّ "فرنسا ستقف إلى جانب لبنان لمساعدته على مواجهة التحديات المتعددة التي تواجه الحكومة الجديدة، وهي مستعدة لتقديم الدعم لتنفيذ الإصلاحات اللازمة لتحقيق التعافي الاقتصادي والاستقرار والأمن في لبنان، وضمان سيادته والمساهمة في إعادة إعماره".
ولعل اللافت غداة إعلان ولادة الحكومة أن الاحتفال التقليدي الذي يقام سنوياً في بيروت لمناسبة عيد القديس مارون شفيع الطائفة المارونية في لبنان، تجاوز المناسبة في طابعها الديني إلى طابع وطني استثنائي احتفاءً أولا بانتخاب وحضور رئيس الجمهورية بعد أكثر من سنتين على الفراغ الرئاسي ومن ثم احتفاءً بالحكومة الوليدة، فكان الحضور الشامل في كاتدرائية مار جرجس المارونية في وسط بيروت بمثابة حدث لإحياء عودة الدولة بكل رموزها وأركانها يتقدمهم رئيس الجمهورية جوزف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام ورؤساء الجمهورية والحكومة السابقون والوزراء الجدد وعدد كبير من النواب والسفراء والشخصيات السياسية.
وتوجّه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، خلال ترؤسه القداس إلى رئيس الجمهورية جوزف عون، بالقول: "إنكم أعدتم لعيد مار مارون رونقه بانتخابكم رئيسًا للجمهورية بعد فراغ دام أكثر من سنتين، وبانتخابكم عادت الثقة إلى قلوب اللبنانيين والدول العربية والغربية". وشدّد على أنّ "الثقة زادت بالأمس بتأليف الحكومة الموصوفة بالإخلاص والإنقاذ"، وقال إنّ "جميع الوزراء واعدون ونتمنّى لهم النجاح في المهام الكبيرة التي تنتظرهم". وقال: "أوقفوا التمادي في المماطلة وفي إسقاط السلطة القضائية وفي فقدان السيادة والكرامة وفي الاعتداء على الدستور وفي الأزمة السياسية، فقد اختنق الشعب من الجمود فقدّموا له حلاً".
وكان من معالم الانفراج الداخلي أن المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان المعروف بمواقفه الحادة ضد خصوم الثنائي "أمل" و"حزب الله" أعلن للمرة الأولى "أننا في حالة ارتياح لوجود "القوات اللبنانية" في الحكومة".
الحدود جنوباً وشرقاً
وسط أصداء الحدث الحكومي تبقى العين على الجنوب اللبناني حيث يواصل الجيش الإسرائيلي خروقاته لاتفاق وقف إطلاق النار ولكن سجل أمس انتشار لفرق الجيش اللبناني داخل بلدات ربّ ثلاثين، طلوسة وبني حيان، في قضاء مرجعيون، بعد الانسحاب الإسرائيلي منها، تمهيداً لعودة الأهالي إليها. وأعلنت قيادة الجيش اللبناني "انتشار وحدات عسكرية في بلدات رب ثلاثين وبني حيّان وطلوسة - مرجعيون في القطاع الشرقي بعد انسحاب العدو الإسرائيلي، بالتنسيق مع اللجنة الخماسية للإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار (Mechanism)". أضافت: "تتابع الوحدات العسكرية تنفيذ أعمال المسح الهندسي وفتح الطرق داخل هذه البلدات"، داعيةً "المواطنين إلى الالتزام بتوجيهات الوحدات المنتشرة حفاظًا على سلامتهم". كما يواصل الجيش التنسيق الوثيق مع قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان - اليونيفيل في ما خص الوضع في المناطق الحدودية، ضمن إطار القرار 1701.
وكان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، توجه أمس بـ"إعلان وتذكير إلى سكان لبنان وخاصة الجنوب اللبناني". وقال: "تم تمديد فترة تطبيق الاتفاق ولا يزال الجيش الإسرائيلي منتشراً في الميدان ولذلك يمنع الانتقال جنوباً". وأشار أدرعي إلى أن "الجيش الإسرائيلي لا ينوي المساس بكم. من أجل سلامتكم يحظر عليكم العودة إلى منازلكم في المناطق المعنية حتى إشعار آخر"، مضيفاً، "كل من يتحرك جنوباً يعرض نفسه للخطر".
وبموازاة الواقع الحدودي جنوباً تتصاعد الاشتباكات عند الحدود الشرقية حيث تعمل الإدارة السورية الجديدة على تقوية قبضتها في المناطق الحدودية، ساعيةً إلى رسم واقع جديد يتسم بالسيطرة على المعابر الحدودية الشرعية وغير الشرعية، إذ تؤكد أن سيادتها وأمنها لا يقبلان المساومة. وعلى الطرف الأخر، تشهد المنطقة وجوداً قوياً لعشائر بعلبك- الهرمل، التي لا تعترف بالحدود المرسومة. فقد عاشت هذه العشائر شبه مستقلة، وتدير شؤونها بعيداً عن السلطات اللبنانية الرسمية. لكن تزايد عمليات التهريب عبر هذه المعابر التي تخضع لسيطرة العشائر ومهربين سوريين آخرين إلى جانب النزاعات السياسية والأمنية، جعل المنطقة تتأرجح بين الاستقرار والفوضى، ما يهدد بزعزعة الوضع الأمني في المستقبل.
وشهدت الحدود في الأيام الثلاثة الماضية تصعيدًا عنيفا، حيث أصبح الجانب العسكري عنصرًا أساسيًا في هذا الصراع. وبدأت القوات السورية بفرض سيطرتها على المناطق الحدودية من خلال إنشاء حواجز ونقاط عسكرية تمتد على طول الحدود لأول مرة. في المقابل، لم تبقَ العشائر مكتوفة بل بدأت في مواجهة ما تعتبره تهديدًا لحقوقها المحلية والاقتصادية لحماية مكتسباتها. وأدى ذلك إلى اندلاع اشتباكات دموية بين الطرفين، وتدخل الجيش اللبناني بناءً على توجيهات رئيس الجمهورية العماد جوزف عون. كما أصدرت قيادة الجيش الأوامر لقواتها المنتشرة على الحدود الشمالية والشرقية للرد على مصادر النيران التي تُطلق من الأراضي السورية وتستهدف الأراضي اللبنانية.
وأعلنت قيادة الجيش اللبناني مساء أمس أنّه "إلحاقًا بالبيان المتعلق بإصدار الأوامر للوحدات العسكرية بالرد على مصادر النيران التي تُطلق من الأراضي السورية وتستهدف الأراضي اللبنانية، تكرّرت بتاريخه (أمس الأحد) عمليات إطلاق القذائف على مناطق لبنانية محاذية للحدود الشرقية، فيما تُواصل وحدات الجيش الرد بالأسلحة المناسبة". أضافت: "كما تنفّذ تدابير أمنية استثنائية على امتداد هذه الحدود، يتخلّلها تركيز نقاط مراقبة، وتسيير دوريات، وإقامة حواجز ظرفية، وتتابع قيادة الجيش الوضع وتعمل على اتخاذ الإجراءات المناسبة وفقاً للتطورات".