من الصحف

“القوات” في الخارجية: دبلوماسية لبنان تعود سيادية

الاحداث- كتب ألان سركيس في  صحيفة “نداء الوطن” يقول:"يدخل لبنان عصراً جديداً بعد كلّ التبدّلات التي حصلت، تتظهّر معالم التغيير من خلال الحكومة الجديدة التي يفترض أن تبصر النور، لتكون الأولى الخارجة عن سيطرة “حزب الله” و “الممانعة”.

هذا التحوّل بدا واضحاً من خلال منح وزارة الخارجية التي تعتبر سيادية إلى “القوات اللبنانية” ما لم يطرأ أي تبديل، نظراً إلى أهميّتها في ترميم سياسة لبنان الخارجية وإعادة أوصاله مع المجتمعين الدولي والعربي.

كانت وزارة الخارجية الصورة الجميلة التي تمثّل لبنان، لكن سرعان ما خفت وهجها وتراجع دورها بعد الحرب، بسبب الاحتلال السوري وهيمنته على سياسة لبنان الداخلية والخارجية، وتولّي “حزب اللّه” بعد عام 2005 رسم السياسة الخارجية.

مرّ على وزارة الخارجية بعد الاستقلال، وزراء على قدر كبير من الأهمية، رسخوا في الذاكرة اللبنانية أمثال شارل مالك، ألفرد نقاش، حميد فرنجية، فيليب تقلا، فؤاد بطرس. يومها كان يُحسب لوزير خارجية لبنان ألف حساب في المحافل الدولية.

سيطر محور “الممانعة” على الخارجية بعد 2005، في أول حكومة للرئيس فؤاد السنيورة كان فوزي صلوخ المحسوب على “أمل” وزيراً للخارجية، وعاد صلوخ في حكومة السنيورة الثانية عام 2008. استلم زميله علي الشامي الخارجية في حكومة 2009، وظلت الخارجية مع حركة “أمل” حيث سمّت عدنان منصور في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011. انتقلت الخارجية إلى حليف “حزب اللّه” تحديداً إلى النائب جبران باسيل في حكومات الرئيس تمام سلام عام 2014 وحكومة الرئيس سعد الحريري 2016 و 2019.

بعد الثورة، تولّى الوزير ناصيف حتي حقيبة الخارجية في حكومة الرئيس حسان دياب عام 2020، استقال قبل انفجار المرفأ لتسند الحقيبة إلى السفير شربل وهبة، وشغل السفير عبدالله بو حبيب منصب الخارجية في حكومة ميقاتي الحالية والمحسوب على الرئيس ميشال عون وباسيل.

منذ عام 2005 وحقيبة الخارجية تدور في فلك الممانعة، مع استثناءات حصلت عندما حاول الوزير ناصيف حتّي التمايز ولم ينجح فاستقال، وبالتالي مع تسمية حزب “القوات اللبنانية” للسفير يوسف رجّي لهذه الحقيبة، تكون الخارجية قد عادت إلى الحضن السيادي ريثما تبصر الحكومة النور.

يحمل الوزير الجديد سيرة ذاتية مهمة، تنتظره مهمات كبرى أبرزها، إعادة صورة لبنان الجميلة التي تميّز بها، وأمامه مهمتان الأولى سياسية والثانية إصلاحية مهنية.

في الشقّ السياسي والدبلوماسي، سيعكس الوزير الجديد صورة لبنان الذي ولد بعد سقوط نظام بشار الأسد وهزيمة محور “الممانعة” وانتخاب رئيس جديد للجمهورية. يتوجّب على الوزير الجديد محو رواسب حقبة “الممانعة”، وهذه الحقيبة السيادية هي الأهم في المرحلة المقبلة.

في التفاصيل، لم يعد مسموحاً بعد الآن للسفير الإيراني التدخل في الشؤون اللبنانية من خلال تصريحات نافرة وكأن لا دولة، فعند أي خطأ يرتكبه سيستدعى ويتمّ التصرف معه كما يجب. من جهة ثانية، تعتبر هذه المرحلة الأهم وسترسم سياسة لبنان الخارجية للمرحلة المقبلة، ويجب إصلاح ما أفسد سابقاً من خلال تصحيح علاقات لبنان بالعالمين العربي والغربي.

وفيما أعلن الرئيس عون منذ انتخابه عن وجود دعم دولي ومساعدات للبنان، يشكل وجود وزير خارجية قوي إلى جانبه مناسبة لإعادة لبنان إلى السكة الدبلوماسية الصحيحة، لأن الرئيس ينال دعماً عربياً ودولياً يجب الحفاظ عليه واستغلاله لمصلحة لبنان.

وإذا كان الشقّ السيادي الدبلوماسي مهماً، إلّا أنّ الأهمّ في الشقّ المهنيّ، إعادة الدبلوماسية اللبنانية إلى سابق عهدها من الازدهار وإصلاح وزارة الخارجية ومكافحة الفساد ورفع مستوى الدبلوماسيين بعدما مرّت وزارة الخارجية بفترة ركود من حيث تعيين السفراء والدبلوماسيين والموظفين، فضلاً عن حاجتها إلى ورشة عمل كبرى تعيدها إلى الحضن السيادي وكرمز للبلد.