من الصحف

لبنان والمملكة: العودة الطبيعية بعد انتفاء سبب المقاطعة

الاحداث- كتبت سابين عويس في صحيفة النهار تقول:"في أولى وأهم نتائج إنجاز الاستحقاق الرئاسي وتكليف القاضي نواف سلام تشكيل حكومة العهد الأولى، أن الإنجازين حصلا بمباركة ورعاية سعودية، أنبأت بعودة وشيكة للمملكة إلى لبنان، بعدما أدى الإنجازان وظيفتهما في إعادة لبنان إلى الحضن العربي والدولي بعد عزلة وحصار أنهكا البلاد. وفي أول تعبير جدّي للانخراط السعودي المتجدد في الوضع اللبناني، زيارة وزير خارجية المملكة فيصل بن فرحان لبيروت، وهي أول زيارة لمسؤول سعودي رفيع منذ خمسة عشر عاماً، تأتي في إطار التحولات السياسية الكبرى في المنطقة منذ الحرب الإسرائيلية على لبنان وسقوط نظام الأسد في سوريا، على خلفية انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، مفتتحاً العصر الأميركي الجديد في المنطقة.
قد تكون النتيجة الأولى لزيارة بن فرحان خرقها الحظر القائم على لبنان، ما يشي بإمكان رفع الحظر عن رعايا المملكة أيضاً، منبئاً بحقبة جديدة تعيد الحرارة إلى العلاقات التاريخية بين البلدين، من دون توقعات عالية حيال حجم الدعم الذي سيتلقاه لبنان، وما إن كان سيتجاوز البعد السياسي ليتناول الشق المالي في ضوء اعتماد لبنان الدائم على المملكة في المساهمة في معالجة الأزمات اللبنانية إن عبر ودائع في المصرف المركزي، أو عبر المساهمات المالية الكبيرة في مؤتمرات الدعم، ولا سيما للجيش، علماً بأن هذه المرة ستختلف عن المرات السابقة، بعدما أوضحت المملكة في أكثر من مناسبة أن الدعم لن يكون إلا عبر مأسسة العلاقات بين البلدين وعبر المشاريع والمصالح الاقتصادية المشتركة.
رغم أن تاريخ العلاقات يعود إلى خمسينيات القرن الماضي، وأخذت منحى أبعد من السياسة إلى العلاقات الشخصية والمصاهرة، فإن أبرز المحطات التي طبعت دور المملكة في لبنان تجلت في إقرار وثيقة الوفاق الوطني المعروفة باسم وثيقة الطائف في المدينة السعودية التي استضافت أعضاء البرلمان اللبناني في عام 1989 وأسّست لمرحلة الاستقرار بعد الحرب الأهلية وإطلاق مرحلة إعادة الإعمار، حيث أصبحت تلك الوثيقة الدستور الجديد للبلاد، علماً بأن مبادرة سعودية سبقت هذه المحطة عندما استضافت الرياض عام 1976 مؤتمر المصالحة العربية وإنهاء القتال بين اللبنانيين وإرسال قوات ردع عربية لتنفيذ اتفاق وقف النار. 
تنفيذاً لقرار المأسسة، وقّع لبنان مع المملكة 22 اتفاقية وُصفت بالنوعية ترمي لتعزيز التعاون بين البلدين في الاقتصاد والاستثمار والتجارة والصناعة والتعليم والأمن والدفاع والنقل البحري والبيئة والإسكان... بعد مساعٍ بذلها الرئيس الأسبق للحكومة سعد الحريري، لكن لم يُكتب لهذه الاتفاقيات أن ترى النور، بعدما دخلت البلاد في مرحلة الجفاء وصولاً إلى المقاطعة مع المملكة نتيجة مواقف سياسية للسلطة المرتهنة في حينها لنفوذ "حزب الله"، كان أبرزها الهجمات العنيفة للأمين العام السابق الراحل لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، ووزير الخارجية الأسبق جبران باسيل ووزير الإعلام الأسبق جورج قرداحي، معطوفة على تصدير شحنات كبيرة ومتتالية من الكبتاغون إلى المملكة، ما أدّى إلى اتخاذ الأخيرة قرارها النهائي بعد مرحلة من المراوح، بإعلان حظر سفر الرعايا السعوديين إلى لبنان ووقف الطيران، ووقف الصادرات اللبنانية. وكان لهذه الإجراءات أثرها السلبي جداً على الاقتصاد اللبناني الذي طالما شكلت السعودية الرئة التي يتنفس منها في محيطه العربي، لأن تلك الإجراءات لم تقتصر على السعودية بل تجاوزتها إلى كل دول الخليج.
في رقم معبّر جداً لحجم المساعدات السعودية للبنان، وفي إطار مقارنة جرت مع المساعدات الإيرانية في عز المواجهة السعودية الإيرانية على الأرض اللبنانية، كشفت تقارير سعودية أن مجموع الأموال التي ضختها المملكة في شرايين الاقتصاد اللبناني إن عبر استثمارات مباشرة أو غير مباشرة أو منح وقروض وهبات وودائع في المصارف بلغ نحو 70 مليار دولار بين عامي 1990، تاريخ انتهاء الحرب الأهلية وعام 2015، علماً بأن المساعدات تقلصت كثيراً في العقد الأخير، وبدا ذلك واضحاً بامتناع المملكة عن المشاركة في مؤتمر باريس الأخير في تشرين الأول الماضي، وإن كانت المملكة أجرت استثناءات في بعض المراحل ولا سيما على صعيد الاستيراد من لبنان، أو اللبنانيين العاملين فيها وعددهم يفوق 350 ألفاً يحوّلون ما قيمته نحو 4،5 مليارات دولار سنوياً إلى عائلاتهم في لبنان، علماً بأن حجم الاستثمارات اللبنانية في المملكة يقارب 13 مليار دولار، أو على صعيد متابعة المساعدات الإغاثية إن لمواجهة أزمة النازحين السوريين أو المتضررين من انفجار المرفأ.
يعوّل لبنان الرسمي والخاص على عودة السعودية إلى لبنان، ولو في الشكل الذي تختاره ومن خارج السياق التقليدي، لما لتلك العودة من تأثير إيجابي على الاقتصاد يعيد للبنان دوره ومهمته في محيطه العربي.