من الصحف

73 نائباً أيّدوا قائد الجيش و55 نائباً أجّلوا قرارهم إلى اليوم | أمر سعودي – أميركي: انتخبوا جوزف عون!

الاحداث- كتبت صحيفة "الأخبار": فجأة كرّت السُبحة، وتوالَت المواقِف المُعلِنة تأييد ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون، واتجاهها للتصويت له. مواقِف تُوّجت باجتماع لنواب المعارضة في معراب مساء أمس، أعلنوا بعده السير بعون. لم يحتَج المشهد إلى كثير عناء ليُقرأ بوضوح، فمن رتّبه ليكون على هذا النحو لم يسعَ أصلاً إلى إخفاء بصماته، بل حمّله تواقيعَ واضحة: الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية وفرنسا!

وعلى الرغم من الضغوط الهائلة التي مورست من العواصم الخارجية على الجميع، فإن الضغط تركّز أمس على الرئيس نبيه بري وفريقه، إضافة إلى نواب يُحسبون في خانة المستقلين. وكانت مبادرة أولى من جانب النائب السابق سليمان فرنجية بإعلان انسحابه، لكن ذلك لم يدفع رئيس المجلس إلى تعديل موقفه الرافض لانتخاب مخالف للدستور. وهو موقف قرّر حزب الله السير خلفه، وكذلك كتلة التيار الوطني الحر وعدد غير قليل من النواب المستقلين، ونُقل عن الرئيس بري قوله إن انتخاب قائد الجيش يحتاج إلى تعديل دستوري، ما يجعله يحتاج إلى الحصول على 86 في أي دورة انتخابية، علماً أن عدم حسم عدد كبير من النواب أمس لموقفهم، جعل من الصعب أن يحصل عون على هذه الأصوات من الدورة الأولى، علماً أن الجميع ينتظر نتائج اتصالات الساعات التي تفصل منتصف الليلة الماضية عن الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم.

ومع أن «القوات اللبنانية» قادت عملية التحول في موقف كتل نيابية كثيرة، إلا أن رئيس كتلتها النائب جورج عدوان، وكذلك رئيس حزب الكتائب سامي الجميل، تحدّثا ليلاً عن أن رقم الـ86 صوتاً ليس مضموناً في جلسة اليوم، وسط حديث عن أن نتيجة كهذه، سيعقبها اقتراح من عدد من النواب بتعليق الجلسة إلى مزيد من التشاور. وهو ما قد يمنع انتخاب الرئيس اليوم.

ومع ذلك، فإن العواصم المعنية كما قائد الجيش، وعدداً من النواب والسياسيين تصرّفوا ليل أمس على أن الأمر قُضي وأن لبنان سيكون له اليوم رئيس جديد هو العماد عون، والذي بدأ فريقه اللصيق بالعمل على إعداد خطاب القسم بالإضافة إلى طباعة عشرات الآلاف من الصور واللافتات التي يُفترض أن تُعلق في كل مناطق لبنان اليوم.

مسار العمل الدبلوماسي لم يأخذ جهداً كبيراً. وبدأ «الجدّ» مع الزيارة الأولى للموفد السعودي إلى بيروت يزيد بن فرحان الجمعة الماضي والتي استمرت حتى نهار الأحد. وقد نقلَ «المفوّض» السعودي موقف بلاده على شكل أمر اليوم: جوزيف عون هو مرشحنا!

هكذا قالَ ابن فرحان لمن اجتمع معهم، من رئيس مجلس النواب نبيه بري حتى أصغر كتلة نيابية. وكانَ كلامه أبعد ما يكون عن الدبلوماسية، فأثار استياء غالبية القوى السياسية التي عبّرت عن عدم تأييدها لقائد الجيش، وعليه لم يكُن ممكناً لأي طرف إعطاء جواب نهائي حول مآلات جلسة اليوم. غيرَ أن الأمور بدأت تتبدّل بعد وصول الموفد الأميركي عاموس هوكشتين إلى بيروت حيث أبلغَ أيضاً من اجتمع بهم أنه «يجب عليهم التصويت لعون بوصفه رجُل المرحلة ومواصفاتها السيادية والإصلاحية»، مهدّداً «المتمردين بأنهم سيدفعون ثمن مواقفهم، وأن لبنان لن ينال أي مساعدة دولية»، ناصحاً إياهم «بانتخاب رئيس الآن لأن مرحلة الرئيس دونالد ترامب ستكون صعبة»، وقد نقل بعض النواب الذين شاركوا في الاجتماعات أن «طرح عون تعدّى الطلب إلى محاولة الفرض تحت طائلة تحميل المسؤولية لمن يقف في وجه هذه الخطوة».

وإزاء التردد الذي ساد بيروت، عاد ابن فرحان أمس حاملاً معه «أمر عمليات حاسماً»، ما دفعَ بنواب المعارضة والمستقلين والتغييريين الذين أظهروا تردداً في التصويت لعون إلى «التكويع» في اتجاه تأييده، بعدَ أن تحدّث معهم بلغة الإملاء والتهديد، رابطاً «عودة السعودية إلى الساحة اللبنانية بانتخاب عون باعتباره المرشح الوحيد ولا بديل عنه».

في هذه الأثناء، كان الموفد الفرنسي جان إيف لودريان قد وصل إلى بيروت للاجتماع بالكتل النيابية لإعلان إذعان باريس لرغبات واشنطن والرياض، قائلاً إنه لا وجود لاسم آخر غير قائد الجيش، وإن كل الأسماء المطروحة بالنسبة إلى باريس أصبحت خارج السباق، وبعد لقاءات استمرت حتى ساعة متأخرة من الليل، قال لودريان إن «هناك توافقاً دولياً حول قائد الجيش، وبما أن اللبنانيين طلبوا مساعدتنا فعليهم أن يلتزموا بموقف الخماسية، لأن عدم انتخاب رئيس سيأخذ البلد إلى مرحلة خطيرة، وهناك قرار بإحجام الخارج عن تقديم الدعم للبنان في حال استمرار الفراغ».

على أن الإرباك انتقل في ساعات ما بعد الظهر إلى أوساط الفريق المعارض لعون، وبدأ أول مظاهره في إعلان فرنجية، انسحابه من السباق تحت عنوان «أمّا وقد توافرت ظروف انتخاب رئيس للجمهورية»، مؤكداً دعم انتخاب قائد الجيش. ثم أعلنت كتلة بري بعد اجتماعها، الذي سبقه لقاء بين مستشار رئيس البرلمان النائب علي حسن خليل والموفد السعودي في مقر سفارة المملكة، أنها لن تقف في وجه التوافق الوطني. ليتعزز هذا المناخ بما نُقل عن رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد خلال لقائه لودريان، أن الحزب «لا ينوي الوقوف عائقاً أمام أي إجماع لبناني حول اسم رئيس الجمهورية المقبل». لتنطلق بعدها مواقف نواب كانوا يُحسبون على فريق «الممانعة»، وآخرين مستقلين بدعم قائد الجيش، وصولاً إلى اجتماع المعارضة ليلاً في مقر «القوات» في معراب مؤكدة تأييد انتخاب عون، بعد اجتماعاتٍ بين سمير جعجع ولودريان ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، وهو ما وفّر الغطاء المسيحي لهذا الخيار بينما كان النائبان إبراهيم منيمنة وعماد الحوت، يعلنان أن الدفّة باتت تتجه نحو عون. كذلك فعل النائب نبيل بدر، الذي قال إن النواب الذين اجتمعوا في منزله قرروا التصويت لقائد الجيش.

ومع ذلك، حصلت تطورات في ساعات الليل، دلّت على استمرار الغموض، خصوصاً أن زوار عين التينة قالوا إن رئيس المجلس توجه إلى النوم قائلاً إنه لن يسمح بمخالفة الدستور، وإن العماد عون يحتاج إلى تعديل دستوري، ما يتطلب توافر 86 صوتاً في كل الدورات.

وعليه، فُتح باب التأويلات حول مصير الجلسة، وكيف سيتعاطى الثنائي حزب الله وحركة أمل، إذ قيل إن نوابهما سيتوجهون اليوم مع التيار الوطني الحر للاقتراع بورقة بيضاء، علماً أن النائب في كتلة «الوفاء للمقاومة» حسن فضل الله قال إن «موقفنا نعلنه غداً (اليوم) في صندوق الانتخاب»، بينما جرى التداول في معلومات عن أن بري لن يدعو إلى دورة ثانية بل سيعلّق الجلسات بعد الدورة الأولى، التي لا يزال يحتاج فيها عون إلى عشرة أصوات لينال الـ 86 صوتاً.

بينَ ليلةٍ وضحاها، بدّل معظم النواب «التغييريين» موقفهم الرافض قطعاً لمخالفة الدستور وتعديله على قياس شخص معيّن، فأعلنوا بوضوح تخلّيهم عن مبادئهم وعن البرنامج الذي وعدوا بتحقيقه، وخالفوا كل ما تبجّحوا به في السنوات الماضية تحت عنوان «ضرورة انتخاب قائد الجيش جوزيف عون تحقيقاً للتوافق الوطني وضمان الدعم الخارجي».

ولسخرية القدر، دأبَ هؤلاء النواب على إظهار أنفسهم كأمّ الصبي في مجلس النواب لناحية تمسكهم باحترام الدستور والقوانين ومراكمة الطعون في المجلس الدستوري ثم الاحتفاء بإنجازاتهم، إلى أن جاء الاختبار الأهم، عندما صدرت إليهم أوامر الموفد الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتين والموفد السعودي يزيد بن فرحان بالاقتراع لعون.

وبدلاً من الاقتداء بزملائهم مارك ضو وميشال الدويهي ووضاح الصادق عبر البصم على عون جهاراً ومن دون قفازات أو تبريرات، بدأ هؤلاء يجوبون المواقع الإلكترونية والقنوات التلفزيونية لنشر سردية الرعاة نفسها لتبرير خضوعهم للإملاءات الخارجية. هكذا وجدت النائبة نجاة صليبا «توليفة» لانقلابها على نفسها فقالت في اتصال مع «الأخبار» إن «اعتصامها لمدة 243 يوماً في المجلس النيابي كان بهدف احترام الدستور وليس خرقه، أما تعديل الدستور من أجل انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية فلا يشكّل أي خرقٍ أو تعدّ!». ومثلها فعل النائب ياسين ياسين، الذي حمّل «القوى السياسية التي كان عليها عدم خرق الدستور وعدم تعطيل الاستحقاق لمدة عامين ونصف عام» المسؤولية عن قراره، متحدّثاً عن أن «لبنان في مرحلة شبه تأسيسية تحتاج إلى توافقٍ وطني، ولا حالة ضرورة أكبر من الظرف الذي نمرّ به ويحتاج إلى قرارات استثنائية، كالسير بتعديل الدستور».

من جانبه، اعتبر النائب إبراهيم منيمنة أن «انتخاب عون لم يأت نتيجة إملاءات بل في ظل وجود دولة فاشلة تنتهك الدستور وتسلب البلد مناعته الداخلية وسيادته ثم تطلب مساعدة الخارج». أما النائب الياس جرادة فاعتبر أنّ تصويته لقائد الجيش «يأتي انسجاماً مع موقفه المعلن من تأييد عون منذ أكثر من عام، وحينها تباين في الموقف مع نواب التغيير الذين ألقوا عليه اللوم لتأييده تعديل الدستور». بينما قال النائب شربل مسعد إن «انتخاب عون سببه وجود إجماع وطني حوله».

في المقابل، أثبت النائب ملحم خلف أنه الأصدق بينهم في احترام مواقفه ولا سيما مع دخول اعتصامه البارحة اليوم 720 في المجلس النيابي اعتراضاً على مخالفة الدستور. وأكّد أن «مسؤولية مكتب المجلس تتمثل بالإعلان عن الأشخاص المؤهلين للترشح حتى يتبلّغ النواب رسمياً بالأمر، مجدِّداً ضرورة التمسك بالمادة 49 لناحية الشروط اللازمة للترشح». كذلك ثبّت النواب أسامة سعد وحليمة القعقور وسينتيا زرازير موقفهم باحترام الدستور وعدم الانصياع للضغوط، ورجّحت معلومات تصويتهم بورقة بيضاء بعدَ إعلان الوزير زياد بارود انسحابه من الجلسة. أما النائبة بولا يعقوبيان فقالت لـ«الأخبار» إنها ستنتخب عون في حالة أن يكون صوتها هو الصوت رقم 86 لأنها لن «تقف عائقاً أمام تحقيق المصلحة الوطنية».