من الصحف

الشرع لجنبلاط: على مسافة واحدة من الجميع

الاحداث- كتبت صحيفة "الجمهورية": لا شيء متوقعاً حصوله على مستوى الاستحقاق الرئاسي، والتوافقات من عدمها باتت وكأنّها مؤجّلة إلى مطلع السنة الجديدة، حيث ستنشط الاتصالات التي ستحسم مصير جلسة 9 كانون الثاني الانتخابية إنجازاً بانتخاب رئيس او تأجيلاً إلى ما بعد تسلّم الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب مقاليد الرئاسة في العشرين من الشهر نفسه، فالمراهنات في الذروة هنا وهناك، وكل طرف يراهن على أن تحمل التطورات المتلاحقة محلياً وإقليمياً ودولياً ما يمكن أن يدعم خياراته الرئاسية والسياسية، بعيداً من المبدأ السيادي الذي يبدو أنّه بات عند البعض وجهة نظر.

من المنتظر أن يغتنم المعنيون بالاستحقاق الرئاسي من مرجعيات رسمية وكتل سياسية ونيابية عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة لإجراء مزيد من الاتصالات والمشاورات في محاولة لتقريب المواقف في اتجاه الاتفاق على مرح توافقي، في ظل إصرار المعنيين على وجوب ان يتمّ انتخابه في الجلسة المقرّرة، لأن هناك خشية حقيقية من تأخّر هذا الانتخاب إلى ما بعد تسلّم الإدارة الاميركية الجديدة مهماتها، في الوقت الذي تفرض الأوضاع الصعبة والخطيرة التي تمرّ فيها البلاد وكذلك الأحداث الإقليمية المتلاحقة، وجود سلطة جديدة تتحمّل مسؤوليات المرحلة الكبيرة.

موقف المعارضة

وبدا واضحاً أنّ قوى المعارضة لم تحسم بعد الاتجاه الذي ستسلكه في ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي، وتنكّب مكوناتها المختلفة على إجراء مشاوراتها الخاصة والمتعددة الاتجاهات. وحتى الآن لا مؤشرات إلى بلوغ هذا الفريق مرحلة توحيد الرؤية تجاه هذا الملف.

لكن ما يستشف من خطوط عريضة مشتركة هو أنّ هذه القوى تنظر بإيجابية إلى ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب فرصة ممكنة، وانطلاقاً من جلسة 9 كانون الثاني، لكنها تحاذر الوقوع في مطب سياسي لم تحتسب له ويؤدي إلى إجهاض المكاسب السياسية الإيجابية التي أدّت إليها التطورات الأخيرة في لبنان وسوريا.

وفي هذا السياق، يقول مصدر معارض لـ«الجمهورية» إنّ المعارضة عموماً منفتحة إيجاباً على فكرة انتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية. لكن هذا الخيار لا يجوز اعتباره خياراً خاصاً بالمعارضة حصراً، بل هو خيار توافقي. ولذلك، إذا تمّ، فيجب أن يوازيه تشكيل حكومة توافقية أيضاً.

رئيس بمواصفات الحقبة

وقال البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظة الاحد من بكركي امس «إنّ اللبنانيين يتطلّعون إلى يوم التاسع من شهر كانون الثاني المقبل، حيث يلبّي السادة النوّاب دعوة رئيس المجلس إلى انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، بعد سنتين وشهرين من الفراغ المخزي والذي لا مبرّر له في الدستور». وأكّد «إنّنا نصلّي لكي يختار نوّاب الأمّة رئيس البلاد الأنسب بمواصفاته لهذه الحقبة التاريخيّة المميّزة. تحتاج البلاد إلى رئيس ينعم بالثقة الداخليّة والخارجيّة، رئيس يؤمن بالمؤسّسات ويفعّلها، رئيس قادر على النهوض الاقتصادي وإعادة إعمار المنازل المهدّمة في مختلف المناطق اللبنانيّة، ولاسيما في الجنوب اللبنانيّ والضاحية والبقاع ومنطقة بعلبكّ وسواها، رئيس يحرّك إصلاح البنى والهيكليّات، رئيس يصنع الوحدة الداخليّة بين المواطنين».

«حزب الله»

وفي سياق متصل أكّد نائب رئيس المجلس السياسي في «حزب الله» الوزير السابق محمود قماطي أنه، «سوف نأتي إلى الاستحقاق الرئاسي بكل تفاهم، وسيكون الثنائي الوطني اللبناني على موقف واحد في الاستحقاق الرئاسي وفي كل الاستحقاقات الأخرى لإنعاش وبناء هذا البلد». ولفت إلى أنّ «إذا كنّا شركاء حقيقيين في الوطن، علينا أن نبني استراتيجية دفاعية تدافع عن هذا الوطن، فالجيش وحده لا يستطيع أن يواجه العدو، وكُلنا يعلم ذلك، وليته يستطيع، فنحن لسنا ضدّ أن يكون قادراً على المواجهة وحده، ولذلك هناك شراكة ضرورية حتمية وطنية لا بُدّ منها بين المقاومة والجيش لندافع عن وطننا، وما حصل وما يحصل اليوم في كل المحيط حولنا، دليل على ذلك، ونحن لا نقبل أن يصبح لبنان في مهبّ الرياح الإقليمية والدولية».

وشدّد على أنّ «الحلم والتمنيات الخبيثة من البعض بأنّ لبنان يجب أن يبقى من دون سلاح المقاومة وليس لديه ضرورة، لن يتحقق، ونحن نقول، إنّ السلاح الشرعي المشترك بين الجيش والمقاومة وبدعم من الشعب حتمي وضروري، فهذه المعادلة الوحيدة التي تحمي لبنان، ونحن لا نتخلّى عن وطننا وعن قوته وقوة الحماية الوطنية فيه لأجل عيون بعض المرتبطين بالخارج، أو من أجل ألسنة بعض سيئي الخطاب والفجور الإعلامي، فلن يحصل ذلك».

جنبلاط في دمشق

في ظل هذه الاجواء، وفي انتظار ما سترسو عليه العلاقات اللبنانية ـ السورية في ظل النظام الجديد، زار الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط دمشق أمس على رأس وفد ضمّ شيخ العقل لطائفة الموحّدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى وأعضاء «اللقاء الديموقراطي»، حيث أجرى محادثات مع قائد «هيئة تحرير الشام» أحمد الشرع، تناولت قضايا هامة عدة منها مستقبل العلاقات اللبنانية ـ السورية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين في مواجهة التحدّيات الإقليمية، بعد سقوط النظام السوري السابق.

وخلال اللقاء، أبدى جنبلاط تضامنه الكامل مع الشعب السوري في معركته ضدّ القهر والاستبداد، مشيدًا بإنجازاته في مواجهة الظروف الصعبة. وأكّد أن الطريق طويل أمام سوريا لتحقيق الاستقرار، موضحًا أنّ لبنان يعاني من التوسع الإسرائيلي الذي يشكّل تهديدًا مشتركًا للبلدين.

وأضاف جنبلاط أنّ «الجرائم التي ارتُكبت بحق الشعب السوري تشبه الجرائم التي شهدتها غزة والبوسنة والهرسك»، مؤكّدًا أنّ هذه الجرائم هي «جرائم ضدّ الإنسانية ويجب محاسبة المسؤولين عنها على الصعيد الدولي». وأعلن أنّه سيقدّم مذكرة باسم «اللقاء الديمقراطي» في شأن العلاقات اللبنانية- السورية، والتي ستتناول القضايا المشتركة بين البلدين وتبحث سبل تعزيز التعاون في مواجهة التحدّيات السياسية والأمنية في المنطقة.

وبدوره شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى اكّد خلال اللقاء أنّ «شعب سوريا يستحق السلم والازدهار لأنّه قلب العروبة النابض»، مشيرًا إلى أهمية عقد قمة روحية تجمع القادة الروحيين بين البلدين لتعزيز روح الطمأنينة بين الشعبين.

على مسافة واحدة

وفي المقابل، تحدث الشرع عن تاريخ العلاقات بين سوريا ولبنان، قائلاً إنّ «سوريا كانت مصدر قلق وإزعاج للبنان في بعض الفترات، وكان تدخّلها في الشأن اللبناني سلبياً». وأضاف: «النظام السابق في سوريا، بالتعاون مع الميليشيات الإيرانية، عمل على تشتيت شمل السوريين وزيادة الفوضى في المنطقة». وأكّد أنّ «معركتنا المشتركة في سوريا كانت ضرورية لإنقاذ المنطقة من حرب إقليمية كبرى كانت قد تندلع لولا التدخّل السوري الحاسم».

وعن العلاقة المستقبلية مع لبنان، أشار الشرع إلى أنّ «سوريا تقف على مسافة واحدة من الجميع وستحترم سيادة لبنان واستقراره الأمني»، لافتًا إلى ضرورة بناء علاقات قائمة على التعاون المشترك والاستقرار المتبادل. وأشار إلى «دور النظام السوري في قتل العديد من الشخصيات اللبنانية البارزة مثل كمال جنبلاط وبشير الجميّل ورفيق الحريري». وقال «إنّ لبنان في حاجة إلى «اقتصاد قويّ واستقرار سياسيّ»، وإن سوريا ستكون سندًا للبنان في هذه المرحلة»، آملاً في «أن تُمحى الذاكرة السورية السابقة من أذهان اللبنانيين»، ومؤكّدًا «ضرورة بناء علاقات استراتيجية جديدة مع لبنان». وختم: «المجتمع الدولي عجز عن حل المشكلة السورية خلال 14 عامًا، ونحن أخذنا طريقًا مختلفًا ليقيننا بأنّ الشعوب لا تستطيع أن تأخذ حقّها إلّا بيدها».

وكان جنبلاط قال في تصريح له بعد خروجه من اللقاء مع الشرع، إنّ «مزارع شبعا سورية»، مشيرًا إلى أهمية تفعيل الحوار بين لبنان وسوريا لتجاوز التحدّيات السياسية والاقتصادية التي تواجه البلدين.

الشرع وفيدان

من جهة اخرى، وفيما تردّد انّ وفداً سعودياً زار دمشق والتقى الشرع، استقبل الأخير امس وزير الخارجية التركي حقّان فيدان، الذي قال إنّ «الفترة الماضية كانت سوداء في تاريخ سوريا، ونحن مقبلون على مستقبل مشرق». واضاف: «نقف إلى جانب السوريين ولن نتركهم. وبحثت مع الشرع استقرار سوريا وعودة اللاجئين». وشدّد على أنّه «لا بدّ من تأسيس نظام لحماية الأقليات ووضع دستور جديد يحترم كل الطوائف في سوريا». وأكّد أنّ تركيا ستقف إلى «جانب السوريين في إعادة صياغة مؤسسات الدولة»، مضيفاً: «لتلبية جميع الوعود التي قطعناها يجب أن يكون هناك توافق داخلي في سوريا».

وذكر فيدان أنّ «على العالم العربي أن يتواصل مع القيادة الجديدة في سوريا، والوقت ليس وقت انتظار»، مشدّداً على أنّه «لا مكان لمنظمات الإرهاب في مستقبل سوريا»، «»الإدارة السورية مصرّة على مكافحة التنظيمات الإرهابية». وأعلن «أننا لن نسمح لأي تنظيم إرهابي بالاستمرار بالوجود داخل سوريا».

وأكّد فيدان أنّه «من المهم رفع العقوبات عن سوريا وإتاحة الفرصة للإدارة السورية الجديدة لتحقيق أهدافها»، وقال: «على إسرائيل احترام وحدة الأراضي السورية ووقف عملياتها العسكرية فيها». وتابع: «نريد من الإدارة الجديدة في سوريا أن تبسط سيطرتها على كل أنحاء البلاد»، موضحاً أنّ «حزب العمال الكردستاني الإرهابي يحتل أراضي في سوريا ويسرق الطاقة».

الموقف الإيراني

في غضون ذلك، رأى المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية السيد علي خامنئي، خلال لقاء في طهران امس لمناسبة ذكرى ولادة السيدة فاطمة الزهراء شارك فيه، حسب وكالة «إرنا»، حجة الإسلام السيد محمد مهدي نجل الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصرالله: «خطة أميركا للسيطرة على الدول هي أحد أمرين؛ إما خلق الاستبداد أو إثارة الفوضى، وقد خلقت اميركا وحلفاؤها الفوضى في سوريا. والآن يتوهمون بأنّهم انتصروا». وأضاف: «مخطئ من يكرّر أنّ إيران خسرت قواتها بالنيابة لأننا لا نمتلك قوات بالنيابة من الأصل، وإذا أردنا يوماً القيام بأمر ما فإننا لا نحتاج إلى قوات بالنيابة». وتوقع «ان تؤدي الأحداث في سوريا الى ظهور مجموعة من الشرفاء الاقوياء، لأنّ ليس لدى الشباب السوري ما يخسره، وما عليه فعله هو الوقوف بكل قوة وإصرار لمواجهة من صمّم هذا الانفلات الأمني ومن نفّذه، وبالتأكيد فإنّ مستقبل المنطقة سيكون افصل من واقعها الحالي». ولفت إلى «أنّ الكيان الصهيوني لم يستطع تحقيق أهدافه بالقضاء على حركة «حماس» وحزب الله». مؤكّداً «انّ شعوب المنطقة الحرّة وبعون الله ستعمل على القضاء على هذا الكيان البشع وخلق غد أفضل للمنطقة». ولفت إلى «أنّ مجموعة مثيرة للقلق وبمساعدة وتخطيط حكومات أجنبية، تمكنت من استغلال نقاط الضعف الداخلية في سوريا وجرّ هذا البلد إلى الفوضى».

وعن المستجدات في المنطقة، تساءل خامنئي عن «الانتصار الصهيوني المزعوم والمبالغ فيه»، قائلاً: «أيها البائسون أين انتصرتم؟ هل يُعتبر انتصاراً قتل 40 ألف امرأة وطفل بالقنابل وفي المقابل فشل تحقيق ولو هدف واحد من أهدافكم المعلنة في بداية الحرب؟ هل دمّرتم «حماس» وأطلقتم سراح أسراكم في غزة؟ هل تمكنتم من تدمير «حزب الله» اللبناني رغم استشهاد شخصية عظيمة مثل السيد حسن نصر الله؟». ورأى «أنّ المقاومة في المنطقة، بما فيها «حزب الله» و»حماس» و»الجهاد الإسلامي»، ما زالت نشطة وآخذة في التوسع، مخاطباً الصهاينة انّهم «ليسوا منتصرين بل مهزومين».

وعزا خامنئي «سبب تقدّم الصهاينة في سوريا واحتلال اراضيها بهذه السهولة» إلى «عدم وجود مقاومة هناك ولو حتى جندي واحد يواجههم»، معتبراً انّ «هذا الامر ليس انتصاراً للصهاينة، وانّ الشباب السوري الغيور والشجاع سيطردهم من هناك لاحقاً».

وقال «انّ هناك حقائق ملموسة ومجرّبة تؤكّد صلابة المقاومة وقوتها بعد مواجهة الأزمات التي عصفت بها، كما حصل لحزب الله اللبناني الذي نهض من قلب التهديدات والانفلات الأمني في الثمانينات واصبح اكثر قوة واقتداراً، وهذا هو حال المقاومة اليوم ايضاً».

الموقف الأميركي

في المقابل، قال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، امس إنّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تشعر بالقلق من أن تسعى إيران، التي اعتراها الضعف، إلى امتلاك سلاح نووي، مضيفًا أنّه يطلع فريق الرئيس المنتخب دونالد ترامب على هذا الخطر.

وقال سوليفان لشبكة «سي.إن.إن» الأميركية إنّ «القدرات التقليدية» لطهران تراجعت، في إشارة إلى ضربات إسرائيلية في الآونة الأخيرة لمنشآت إيرانية، منها مصانع لإنتاج الصواريخ ودفاعات جوية. وأضاف: «ليس من المستغرب أن تكون هناك أصوات (في إيران) تقول: ربما يتعيّن علينا أن نسعى الآن لامتلاك سلاح نووي... ربما يتعيّن علينا إعادة النظر في عقيدتنا النووية». واضاف إن هناك «خطرًا حقيقيًا» في الوقت الحالي من أن تراجع إيران موقفها المتمثل في «أننا لا نسعى لامتلاك أسلحة نووية». وأضاف: «هذا خطر نسعى لأن نكون يقظين بشأنه الآن. أعمل حاليًا بشكل شخصي على إطلاع فريق (الرئيس) الجديد على هذا الخطر». وقال إنّه تشاور كذلك مع إسرائيل حول هذه المسألة.

تهديد إسرائيلي

من جهة ثانية، وفي ظل استمرار اسرائيل في خرق اتفاق وقف اطلاق النار في الجنوب، أكّد وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أمس أنّ أسرائيل «لن تتردّد في استخدام القوة المفرطة ضدّ «حزب الله» إذا حاول خرق وقف إطلاق النار أو لم ينسحب إلى ما وراء نهر الليطاني في جنوب لبنان». وقال: «إذا لم ينسحب «حزب الله» إلى ما وراء الليطاني، وإذا حاول خرق وقف إطلاق النار، سنسحق رأسه ولن نسمح لمقاتليه بالعودة إلى قرى جنوب لبنان وإعادة بناء البنى التحتية التي تشكّل خطراً على قرى ومستوطنات الشمال».