تطورات إيجابية في ملف النفط والغاز... لبنان يُلزّم رخصة الاستطلاع في البلوك رقم 8
الاحداث- كتبت سلوى بعلبكي في صحيفة النهار تقول:" أدرك لبنان باكرا أهمية وجود النفط والغاز في بحره وبره، وكانت بدايته في عهد الانتداب الفرنسي عندما أصدر المفوض السامي هنري دو جوفنيل عام 1926 تشريعا أجاز فيه التنقيب عن مناجم النفط والمعادن في لبنان، واستثمارها واستخراجها. ومنذ ذلك التاريخ شهد لبنان محاولات عدة كان آخرها عام 1975 عندما صدر المرسوم رقم 10095 تاريخ 11 نيسان (أبريل) 1975، والذي أجاز لوزارة الصناعة والنفط إعادة النظر في امتيازات التنقيب عن النفط واستثمارها لمصلحة الدولة.
لكن الحرب الأهلية أوقفت هذه المحاولات فترة طويلة، إلى أن قررت الدولة عام 2002 إحياء الملف، فتعاقدت حكومة الرئيس رفيق الحريري مع شركة "سبكتروم" الإنكليزية لإجراء مسح ثنائي الأبعاد غطى كامل الساحل اللبناني، وخلص إلى احتمال فعلي لوجود النفط والغاز.
لاحقا، استكملت شركة "جي آي أس"(GIS) النروجية أعمال البحث من خلال قيامها بمسح ثلاثي الأبعاد في الموقع نفسه. وبين عامي 2006 و2007، أجرت شركة "بي جي أس" (PGS) النروجية مسوحات ثلاثية الأبعاد، خلصت إلى احتمال وجود كميات تجارية من النفط، جديرة بالاستكشاف والتنقيب، وهناك خرائط تثبت ذلك.
عام 2013، أجريت دورة التراخيص الأولى، ورسا الخيار على كونسورتيوم "إيني" الإيطالية و"توتال" الفرنسية و"نوفاتيك" الروسية. لكن متابعة هذا المسار تأجلت لنحو 4 أعوام بسبب الفراغ الرئاسي وتعطيل عمل البرلمان اللبناني.
أعيد إطلاق دورة التراخيص الأولى عام 2017 وانتهت بتوقيع اتفاقيتي استكشاف وإنتاج لكل من الرقعة 4 والرقعة 9 مع كونسورتيوم واحد مؤلف من ثلاث شركات: "توتال"، "إيني" و"نوفاتيك".
في دورة التراخيص الثانية، قدم ائتلاف الشركات الذي يضم TotalEnergies وQatar Energy وENI عرضي مزايدة على البلوكين رقم 8 و10، وتضمن العرض على البلوك رقم 8 مرحلة مسوحات زلزالية قبل اتخاذ قرار الحفر أو التخلي (Seismic or Drop). وقد وافق مجلس الوزراء مطلع السنة على التلزيم ووضع شرطين، أولهما تقصير مدة الاستكشاف وزيادة حصة الدولة في حال حصول اكتشاف تجاري، وذلك بناء على موافقة وزير الطاقة والمياه بالاستناد إلى توصية الهيئة.
بدأت "توتال" عملية الحفر في البلوك (4) عام 2020، وأوقفت التنقيب بعد شهرين قبل الوصول إلى العمق المتفق عليه، توازيا مع قرارها تأجيل التنقيب في البلوك رقم 9، الذي كان يفترض أن يبدأ في أيار (مايو) 2020.
تطورات إيجابية
الأسبوع الماضي، وفي تطور إيجابي سيعزز عامل جذب شركات الطاقة العالمية، أعلن وزير الطاقة والمياه وليد فياض منح رخصة استطلاع "غير حصرية" (Reconnaissance License) لشركة TGS بعدما تقدمت بطلب الرخصة وفقا للقوانين المرعية.
أهمية الرخصة تكمن في كسب الوقت من خلال اعتماد آلية المسوحات الزلزالية المتعددة الزبائن (Multi-Client 3D Seismic Surveys). وهذا يعني أن البلوك رقم 8 سيكون جاهزا للعرض بالآلية نفسها لحفر البئر أو التخلي (Drill or Drop) التي اتبعت في دفتر شروط المطبق على سائر البلوكات المعروضة، بما فيها البلوك رقم 10، بما يختصر الفترة الزمنية التي تقارب السنة، وهي المدة اللازمة لإجراء المسوحات ما قبل اتخاذ قرار الحفر.
وتشمل الرخصة مساحة تبلغ نحو1300 كيلومتر مربع في البلوك رقم 8، الوحيد من البلوكات العشرة الذي لم يخضع لمسح زلزالي ثلاثي الأبعاد، فيما أكد فياض أن هذه الخطوة تشكل حجر الأساس للتحضير لدورات التراخيص المقبلة، وستعزز التحاليل الناتجة من هذه المسوحات جاذبية البلوك لشركات الطاقة العالمية.
ومعلوم أن شركتي PGS وSpectrum، بموجب عقود وافقت عليها الحكومة اللبنانية بين عامي 2006 و2013 بمسوحات زلزالية ثلاثية الأبعاد، غطت ما يقارب 80% من مساحة المنطقة الاقتصادية الخالصة البحرية للبنان.
الأمر الإيجابي أن شركة TGS ستتحمل كل التكاليف، على أن تتقاسم العائدات مع الدولة اللبنانية، حيث تحول حصة الدولة إليها وتودع في حساب الصندوق السيادي فور إنشائه.
وتأتي هذه الخطوة في وقت بالغ الأهمية، وفق فياض الذي يؤكد أنها ستسهم في إعادة إطلاق الأنشطة البترولية الاستكشافية فعليا، وهي رسالة إيجابية تعكس جدية لبنان في تطوير موارده، خصوصا بعد النجاح الذي حققته دول الجوار في مجال استخراج الغاز، مما يضع لبنان على خريطة الطاقة الإقليمية والدولية.
وتتزامن هذه الخطوة مع الاستعدادات لإتمام دورة التراخيص الثالثة، ومن المقرر أن ينتهي تقديم طلبات المزايدة في 17 آذار (مارس) 2025.
في السياق، يؤكد وزير الطاقة أن التزام الجدول الزمني لدورة التراخيص يعزز صدقية لبنان أمام المستثمرين، ويتيح له الافادة من الاهتمام المتزايد بالغاز الطبيعي بديلا من الطاقة التقليدية.
ويُعدّ استقطاب الشركات العالمية الكبرى خطوة حاسمة في تعزيز موقع لبنان في السوق الإقليمية للطاقة، فالبحر اللبناني الذي يتمتع بموقع استراتيجي على أبواب اوروبا ومقومات جيولوجية واعدة، يمثل فرصة سانحة للبنان لدخول سوق الطاقة من أوسع أبوابه.
وفي ظل المنافسة المتزايدة بين الدول الإقليمية على استقطاب الاستثمارات في قطاع الغاز والنفط، يعكس تقديم بلوكات مع مسوحات ثلاثية الأبعاد منجزة وجاهزة للتلزيم رغبة لبنان في تسهيل عمل الشركات وتقليل المخاطر المرتبطة بالاستكشاف، بما يضعه في موقع جاذب للاستثمارات، خصوصا من شركات مثلTotalEnergies ، ENI، وQatar Energy، وغيرها من الشركات المهتمة والتي لديها خبرات عمل واسعة في المنطقة.