من الصحف

في منتهى الجدّ
رئيس "أمرك لبنان " حتماً

الاحداث- كتب أحمد عياش في صحيفة نداء الوطن يقول:"هل سيكون للبنان الرئيس الرابع عشر للجمهورية في التاسع من كانون الثاني المقبل؟ وهل سيكون هذا الرئيس، وللمرة الأولى منذ العام 1970، تحت أشعة الشمس التي بزغت في 27 تشرين الثاني بولادة وقف اطلاق النار الذي أنهى حرب مدمرة واخذ لبنان الى رحاب القرارات الدولية؟ من دون ان نغفل انه في يوم هذا الاتفاق بالذات، بدأ مسار اسقاط طاغية دمشق الى أن ولّى الأدبار.

عندما جرت الانتخابات الرئاسية قبل 54 عاماً وصل سليمان فرنجية الى سدة الرئاسة الأولى بالنصف زائداً واحداً، فكان رئيساً "صنع في لبنان". ومنذ ذلك الزمن لم يصل الى المنصب الأول في الجمهورية إلا رئيس بالثلثين زائداً واحداً، فكان أن وصل الرؤساء الذين صنعوا في دمشق أو طهران وبينهما في إسرائيل.

 

 

تشير كل المعطيات الدولية الى عودة لبنان مجدداً الى المكان الذي غادره قبل أكثر من نصف قرن، أي عندما كانت لدى اللبنانيين شجاعة الإتيان برئيس بالنصف زائداً واحداً. فهل كان رجالات ذلك الزمن أقلّ أهمية من رجالات هذا الزمن؟ وهل كان صبري حمادة الذي من موقعه كرئيس للبرلمان، والذي كان مؤيّداً لمنافس فرنجية، الياس سركيس، أقلّ شأناً من نبيه بري الرئيس الحالي للبرلمان الذي أثبت جدارته على مدى 32 عاماً بترتيب وصول الرؤساء الذين صنعوا خارج لبنان؟

يفترض أن يعود لبنان مجدداً الى زمن يجب أن تعود فيه عقاربه الى الوراء. وإذا ما تحقق ذلك، سيتنشّق هذا البلد هواء يشبه ذلك الهواء الذي كان يتنشّقه رجالات نتطلع الى اشباه لهم اليوم. ومن هؤلاء الذين بدأوا يعيدون الى الحياة نموذجاً على شاكلة من رحلوا، رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع. فهو يشقّ حالياً طريقاً كان مسدوداً منذ العام 1970 كي يكون للبنان رئيس من صنعه فعلاً لا قولاً.

لنعد الى تاريخ لم يمر عليه الزمن، أي يوم الجمعة في 6 كانون الأول الجاري. ففي مقابلة ضمن برنامج "صار الوقت" عبر الـmtv، أكد جعجع في موضوع الملف الرئاسي ان "على أي مرشح ان يتبنّى القرارات 1701 و1559 و1680، وأي رئيس لا يلتزم قرار الحكومة في تطبيق وقف إطلاق النار لا لزوم له، كون هذه القرارات تجعلنا نتّجه نحو دولة فعلية".

وخلال أقل من أسبوع، أي يوم الخميس في 12 الجاري، أعلن رئيس المجلس التنفيذي لـ "مشروع وطن الإنسان" النائب نعمة افرام ترشحه رسمياً إلى سدّة الرئاسة اللبنانيّة وفق برنامج ينص البند الأول منه على الاتي: "إلتزامي تطبيق "تدبير وقف الأعمال العدائيّة" كآلية تنفيذ للقرار الأمميّ 1701 بكافة مندرجاته، ومختلف القرارات المتّصلة الصادرة عن مجلس الأمن بخصوص لبنان، بغطاء الرئاسة الشرعيّ، وكحجر زاوية لتأمين الاستقرار".

كيف كان وقع هذا التطوّر الذي يعطي مسار الاستحقاق الرئاسي اتجاهاً لم يسبق له مثيل منذ نصف قرن؟

على طريقة "خذوا اسرارهم" وإنّما من نشرات اخبارهم، يتبيّن أن الثنائي إيّاه الذي أمسك بمقاليد الأمور منذ ربع قرن تقريباً بدا وكأنه أخذ على حين غرة. فلم تجد قناة الـ "أن بي أن" الناطقة باسم بري في يوم ترشيح افرام متسعاً لذكر اسم الأخير في مقدمتها. ولكنّها منحت الاهتمام "لما يقاربه الرئيس بري" رئاسياً. أما قناة "المنار" الناطقة باسم "حزب الله"، فلم يرد عندها ذكر افرام على الاطلاق. لكن القناة وجدت متسّعاً للحديث عن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب واختيار "التايم" له رجل عام 2024.

لم يستمر هذا "التعفف" الاخباري عند من كانوا قبل وقف اطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي يعلنون انهم من جماعة "الممانعة". إذ سرعان ما راحوا يتلقفون بداية مرحلة صار فيها مباحاً ما كان محرماً سابقاً. أي صار بديهياً الحديث عن رئيس للجمهورية يتصدّر العمل على انهاء دويلة "حزب الله" بتنفيذ القرارات الدولية. لكن هذا التلقّف وعلى طريقة "من شب على شيء شاب عليه"، اقترن بتوجيه "الاتهام" الى جعجع تحت عنوان "هل يُطيح جعجع بجلسة 9 كانـون الثاني"؟، كما قالت امس احدى وسائل اعلام "الممانعة" البارزة.

ما زال هناك متّسع من الوقت حتى التاسع من الشهر المقبل، كي نشهد إعادة تدوير الزوايا عند من اعتادوا ان يتصرفوا على قاعدة "أمرك سيدي". وها هم اليوم امام استحقاق ينطلق من قاعدة "أمرك لبنان" على نحو لم يألفه من اصبحوا على مسرح العمل العام على مدى اكثر من خمسة عقود. ومن نماذج "أمرك سيدي" الرئيس السابق ميشال عون الذي عاد الى لبنان عام 2005 من منفاه الباريسي بعد اصدار جواز سفر له على يد ماهر الأسد. وتولى ختم هذا الجواز الأمين العام السابق لـ "حزب الله" حسن نصرالله. ومن يريد التفاصيل الوافية لقصة جواز السفر هذا عليه العودة الى كتاب كريم بقرادوني والذي حمل عنوان "صدمة وصمود - عهد اميل لحود (1998-2007)".

عندما تهب رياح رئيس "صنع في لبنان"، سيندفع كثيرون من أبطال زمن "رئيس صنع خارج لبنان" كي يفوزوا بقصب سبق ركوب موجة التغيير. ولن نجد في ذلك الوقت على وجوههم أية إشارات ندم أو وجل وكـأنهم أمضوا حياتهم في جمعية "الحبل بلا دنس". ولن يحتاج المرء الى براهين عن هذه المرحلة الاتية، فلديه نسخة طبق الأصل عنها في المرحلة الراهنة حيث يتسابق أزلام بشار الأسد على القول في الأخير ما لم يقله مالك في الخمرة.