من الصحف

لم يصدّقوا أنه سيهرب ويتركهم
يتامى الأسد: ماذا نفعل من بعدك؟

الاحداث- كتب نجم الهاشم في صحيفة نداء الوطن يقول:"مرتان شعر أتباع النظام السوري في لبنان باليتم والأسى والضياع: الأولى عندما أكمل رئيس النظام بشار الأسد سحب جيشه من لبنان في 26 نيسان 2005. والثانية عندما هرب من سوريا ليل 8 كانون الأول الحالي وتركهم لمصيرهم. لم يتوقّعوا أن يحصل الانسحاب، ولم يتصوّروا أنّ الرجل الذي راهنوا عليه وربطوا مصيرهم بوجوده يمكن أن يهرب، وأنّ النظام الذي قام منذ عام 1970 يمكن أن يسقط من دون طلقة رصاص.

قد يصحّ القول إنّ بشار الأسد بدأ مرحلة عبور الصحراء بعد فراره من دمشق. ولكن الأصحّ أنه ذهب إلى إقامة طويلة في الصحراء وهي ليست صحراء حارة بل أسوأ منها بكثير. هي صحراء الجليد والصقيع في سيبيريا. لجأ بشّار إلى الدولة التي لم يكن يلجأ إليها إلا بعض عملاء ال "كي جي بي" بعد اكتشاف أمر عمالتهم، بينما كان المقيمون فيها يتوقون إلى الفرار من هذا الصقيع السياسي إلى بلاد الغرب. كما بشار، يشعر الذين كانوا يتبعون له ولنظامه في لبنان بأنّهم دخلوا مساراً جديداً وبأنّهم بدأوا السير على طريق الصحراء الطويل. ولكن هذا السير بات من دون أمل لأنّ من راهنوا عليه ذهب ولن يعود.

قبل يوم واحد

قبل يوم واحد فقط من اختفاء الأسد عن شاشة رادار الأحداث، كان الأمين العام لحزب البعث السوري "الزميل" علي حجازي يهدّد معارضي الأسد في لبنان وسوريا بأنّه باقٍ باقٍ باقٍ إلى الأبد، وأنّهم سينهزمون وأنّ الجيش السوري سيقاتل وينتصر وسيصرع أعداءه. يبقى حجازي صورة مصغّرة عن أتباع هذا النظام. على رغم تسميته أميناً عاماً للبعث، بقي يحكي ويتصرّف كما ولو أنّه الإعلامي الذي يُطلب منه المشاركة في حلقة سياسية تلفزيونية. راهن عليه النظام السوري على خلفية أنه سيتمكّن من إعادة جمع شتات البعث، وكان يشكّل تقاطعاً بينه وبين "حزب الله"، باعتباره يتحدّث أيضاً باسم الحزب. ولكن على رغم عصبيته الظاهرة دائماً وتهديداته الكثيرة لم يستطع أن يبعث الحياة في جسد ميت. ولذلك شكّل سقوط النظام السريع نكسة قاتلة له. ولكنّه على طريقة أتباع آخرين لهذا النظام، يمكن أن يكون رهانهم على الاعتماد على ما تبقّى من "حزب الله" ومحور الممانعة، على قاعدة أنّ النظام في سوريا سقط وأن الأسد طار من اللعبة ولكن المحور باقٍ. وعلى خلفية اللإنتقادات الإيرانية للأسد الذي تخلّى عن القتال وهرب لا يُعرف كيف سيتعاطى أتباع هذا النظام مع الاتهامات المماثلة. وطالما أن البعث علق عمله ونشاطه في سوريا فهل من المنطقي أن يبقى في لبنان؟

 

 

عهود العمالة

لم يبدأ عهد العمالة للنظام السوري مع تاريخ دخول جيشه إلى لبنان في العام 1975 وتدخله في إشعال الحرب اللبنانية. منذ كان حافط الأسد وزيراً للدفاع عام 1966، بدأ التدخل في لبنان. وهذا التدخل كان وراء فرض اتفاقية القاهرة عام 1969 بعد فرض الحصار البري أكثر من مرة ودعم المسلحين الفلسطينيين وتجاوز الحدود اللبنانية على خلفية تفكير لم يتخلَّ عنه ويقوم على قاعدة أنْ لا حدود بين لبنان وسوريا لأنّهما "شعب واحد في دولتين تجمعهما وحدة المسار والمصير". وهو كان وراء نقل المسلحين الفلسطينيين من الأردن إلى لبنان بعد أحداث أيلول 1970. في 16 تشرين الثاني من ذلك العام كان حافظ الأسد يقفز إلى ترؤس النظام ويبدأ طريقه نحو السيطرة على "القطر اللبناني الشقيق".

للمرة الأولى في بداية حكمه كانت وجهة اللجوء السياسي والأمني تنتقل من بيروت إلى دمشق. بعد ملاحقة ضباط المكتب الثاني بعد انتخاب الرئيس سليمان فرنجية، لجأ إلى دمشق عدد منهم وكان في طليعتهم اللواء سامي الخطيب. في العام 1976 عندما تشكلت قوات الردع العربية بشكل رسمي، اختار الأسد الخطيب قائداً لهذه القوات بعدما رفض العميد أحمد الحاج تولي هذه المهمة، ليقينه بحكم الممارسة، أن إمرة هذه القوات تبقى بيد الأسد في دمشق، ولا يمون عليها بشيء رئيس الجمهورية الياس سركيس.

منذ ذلك التاريخ بدأ عهد جديد للنظام السوري في لبنان. وبدأ الأسد يجمع الأتباع ويتخلّص من الخصوم. طريقته الدموية في إدارة الشأن اللبناني والعلاقات مع الأتباع جعلت كثيرين يطيعونه. أكثر من ضابط مخابرات تابع له كان يمكنه أن يأمر ويطاع. وأكثر من مسؤول لديه كان يحسم في المسائل الصعبة خصوصاً عبد الحليم خدام وحكمت الشهابي قبل العام 1995. منذ العام 1983 دخل اسم جديد على الخط هو العقيد غازي كنعان الذي سيصبح الآمر الناهي باسم الأسد ونظامه حتى العام 2003. بعده تولّى هذه الوظيفة اللواء رستم غزالة. ولكن كل ذلك لم يمنع أن يتمرّد عليه ويتحدّاه كثيرون  ولا سيما "القوات اللبنانية" التي بقيت رأس حربة في المواجهة معه حتى انسحابه من لبنان، وحتى فراره من دمشق.

ضباط وشخصيات في خدمة النظام 

بعد العام 1990 وبدء عهد الوصاية السورية المباشرة بعد اتفاق الطائف واغتيال الرئيس رينيه معوض وانتخاب الرئيس الياس الهراوي، كثر رجال الأسد ونظامه في لبنان. كان مركز المخابرات السورية في عنجر شاهداً على زحف هؤلاء. أسماء كثيرة حاول النظام أن يجعلها ثابتة وراسخة خصوصاً عند المسيحيين ولكنّه فشل في هذه المهمة. من إيلي حبيقة وأسعد حردان، إلى ميشال المر الجد نزولاً حتى الورثة، ومن ميشال سماحة ناقل المتفجرات، إلى إميل لحود وسائر أفراد العائلة. ومن عبد الرحيم مراد إلى عمر كرامي ومن بعده ابنه فيصل. ومن علي عيد في جبل محسن إلى ابنه رفعت الذي فر إلى سوريا قبل سنوات... كان اتكال النظام الأساسي على عدد من السياسيين والشخصيات ولكن رهانه كان على التركيبة الأمنية والعسكرية التي صاغها وكان رمزها نائب مدير المخابرات العقيد جميل السيد قبل توليته منصب مدير عام الأمن العام. 

إلى جانب "حزب الله" ملتزم محور الممانعة، أكثر شخصيتين محلّيتين تابعتين للنظام كانتا الأمير طلال أرسلان الذي استخدمه النظام عبثاً وبلا طائل ليحقّق نوعاً من التوازن مع الوزير وليد جنبلاط. وكان أيضاً رئيس تيار المرده سليمان فرنجية الذي بقي الأكثر وفاء للخط ولعلاقته مع بيت الأسد من الأب إلى الابن ولكن من دون أن يتمكّن من إثبات وجوده الشعبي في هذا الخط. وهو وإن كان يعيد هذا الوفاء في العلاقة لجدّه الرئيس سليمان فرنجية منذ لجوئه إلى سوريا عام 1957 بعد مجزرة مزيارة، إلّا أنّه لا توجد أدلة تثبت هذه العلاقة لأن حافظ الأسد وقتها كان مجرد ضابط برتبة ملازم أول ولم يكن له أي دور سياسي أو أمني، وأن من رعى وجوده في دمشق كان رئيس المكتب الثاني السوري عبد الحميد السراج.

ذهب ولن يعود

بعد سحب جيشه من لبنان عام 2005 بقيَ هؤلاء الأتباع يأملون بأنّ بشار الأسد سيعود يوماً ما. وبقيَ وجوده على رأس النظام في دمشق يعوّض عليهم خسارة أوزانهم في لبنان وبقيَ "حزب الله" يشكل لهم الوصي البديل والملجأ الآمن. وبعدما بدأت الحرب في سوريا عام 2011، بقيَ رهانهم عليه بأنّه منتصر ولن يسقط وأنّ المؤامرة سقطت لأنّه استطاع أن يقاتل العالم كلّه الذي تآمر عليه ولم يتنازل ويقبل بالخروج من الممانعة. كبّروا صورته واعتقدوا أنّه باقٍ باقٍ باقٍ إلى الأبد. ولكن ماذا سيفعل هؤلاء اليوم بعد سقوط النظام وهروب رمزه. بين ليلة وضحاها لم يعد بشار الأسد موجوداً. كيف سيعتادون على غيابه وسقوطه وانهيار الصورة والشعارات؟ لم تعد هناك لديهم أماكن آمنة في دمشق. حتى أن أياً منهم قد لا يغامر في الذهاب إلى موسكو للقاء الرجل الذي صار خارج التاريخ والجغرافيا. لأنهم أيضاً من دونه ربما يصبحون خارج الجغرافيا والتاريخ ولا يمكن أن ينقذهم التلطي بعباءة "حزب الله" لأن هذا "الحزب" بات يحتاج أيضا إلى عباءة تغطيه. ولأنّه أيضا يصارع حتى يبقى في التاريخ والجغرافيا.