سفير لبنان لدى الجزائر : إسرائيل طامعة بثروات لبنان وخطتها خبيثة في تدمير المواقع التاريخية والمدن الأثرية
الاحداث ـ يقدّم سفير لبنان بالجزائر الدكتور محمد حسن، معطيات وافية عن العدوان الصهيوني على بلاده والذي خلّف في حصيلة مؤقتة 3100 شهيد، وخسائر مادية بملايير الدولارات، ويؤكد أن العدوان الصهيوني ممتد منذ نشأة الكيان سنة 1948.
ويقول السفير اللبناني في حديث لصحيفة “الشروق”الجزائرية ، إن موقع بلاده الجيوسياسي جعله رهن السياق الإقليمي، فأصبح منطقة نزاعات وصراع بين العديد من المصالح، خاصة الصراع العربي الإسرائيلي، وغالبا ما ينعكس الوضع الإقليمي في المنطقة على الوضع العام في لبنان.
وبعد ما أكد إن الجيش اللبناني ملتزم بالدفاع عن السيادة والحدود الوطنية، يتحدث عن “حزب الله” ويشدّد أنه جزء من الشعب وهدفه التحرير ومقاومة الاحتلال التي هي حق مشروع لكل الشعوب، وتابع أن الحزب دفع ولا زال يدفع أثمانا باهظة لأجل الدفاع عن أرض وسيادة لبنان، وآخرها استشهاد أمينه العام سماحة السيد حسن نصر الله، رحمه الله.
ويتحدث السفير حسن عن خطة خبيثة يقوم بها الاحتلال الصهيوني، حيث يتعمد قصف وتدمير المواقع التاريخية والمدن الأثرية في محاولة منه لإزالة كل دليل على وجود لأصحاب الأرض في أرضهم وثقافتهم.
ولو يفوّت السفير اللبناني الإشادة بالدور الجزائري في مساعدة بلده، ودعا الهيآت والمنظمات الإغاثية كما هو الحال مع الهلال الأحمر الجزائري لنجدة بلاده في هذا الظرف الحساس.
بداية، هل نحن أمام غزو إسرائيلي واحتلال لإقليم بلد مستقل ذا سيادة؟
أولا، أرحب بجريدة “الشروق”، ويسرني من خلالها أن أتقدم بأصدق التهاني والتبريكات للجزائر الحبيبة، حكومة وشعبا، ولجيشها الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير، بمناسبة الذكرى السبعين لاندلاع ثورتها التحريرية المجيدة، تلك الملحمة البطولية التي أبى فيها الشعب الجزائري الحرّ الخضوع والخنوع، وآثر مواجهة المستعمر بكل شجاعة وبسالة لِما يزيد عن 130 سنة، ورسم من خلالها أسمى صور التضحية والانتصار الذي نسأل الله، سبحانه وتعالى، أن يؤيد به أهلنا في لبنان وفي فلسطين وجميع من طالتهم أيدي العدو الغاشم.
هذا ويسرّني ونحن على أبواب الذكرى الواحدة والثمانين لاستقلال لبنان، أن أهنئ أبناء بلدي أينما وُجدوا وأن أتوجه بالتّحية لرجالات الاستقلال الذين ضحّوا بالنفس والنفيس من أجل أن يبقى لبنان حرا سيدا مستقلا.
كما أغتنم هذه السانحة لأجدّد التهاني للسيد الرئيس عبد المجيد تبون، بمناسبة تجديد الثقة فيه وإعادة انتخابه لعهدة رئاسية ثانية، متمنيا لسيادته دوام التوفيق والسداد وللجزائر الشقيقة دوام التقدم والازدهار.
ثانيا، أشكركم وأشكر جريدة “الشروق” على هذه السانحة التي أتحتموها لنا لتسليط الضوء أكثر على حرب الإبادة التي يشنها العدو الإسرائيلي على لبنان، والانتهاك الواضح والمتمادي لسيادته وسلامة أراضيه والمجازر الوحشية التي يرتكبها في حق شعبه المسالم.
إنّ العدو الإسرائيلي ينتهك ويستبيح سيادة لبنان ويشنّ حربا مكتملة الأركان عليه، فهو لم يكتف بتحويل غزة إلى ساحة من الخراب، فضلاً عن ارتكاب إبادة جماعية في حق شعبها، بل ها هو الآن وبتوجيه مباشر من المجرم نتنياهو وعصابته يرتكبون وبشكل يومي وغير مسبوق في التاريخ أبشع الجرائم بحق الأبرياء والمدنيين على كافة الأراضي اللبنانية.
لقد استباحوا الأرض، قتلوا النساء والأطفال، هجّروا البشر ودمروا الحجر، بثّوا الترهيب والرعب في نفوس اللبنانيين على مرآى من العالم كله من دون أن يرفّ لهم جفن، هذا العالم الذي لا يزال، لحدّ اللحظة، عاجزا عن وضع حدّ للجرائم التي يتعرض لها الشعبان اللبناني والفلسطيني.
لكن لماذا لا ينخرط الجيش اللبناني النظامي في المواجهة دفاعا عن سيادة لبنان؟
الشعب اللبناني بجميع أطيافه ومعتقداته يلتف حول المؤسسة العسكرية الجامعة، والتي تتمتع بعقيدة وطنية كبيرة، وحاضرة دائماً للدفاع عن أرض الوطن وشعبه ومواجهة كل التحديات الخارجية من قبل العدو الإسرائيلي أو المنظمات الإرهابية التكفيرية، فرغم الإمكانات المحدودة، مقارنة بما يمتلكه العدو من ترسانة عسكرية قوية ومتطوّرة، إلاّ أن الجيش اللبناني وبقوة عقيدته، لم يتخل يوماً عن واجبه في الدفاع عن الوطن، ومنذ ما يقارب الثمانين سنة وهو يقوم بواجباته على أكمل وجه.
هناك من يبرّر ما يحدث بتحميل “حزب الله” المسؤولية عن جرّ لبنان للكارثة، هل تتحفظون على هذا الموقف؟
“حزب الله” حزب سياسي، لديه ممثليه في الحكومة والبرلمان وله قاعدة شعبية واسعة، وهو جزء من الشعب وهدفه التحرير ومقاومة الاحتلال التي هي حق مشروع لكل الشعوب ونتيجة طبيعية للاحتلال في كل دول العالم، وقد سبق للحزب أن دفع ولا زال يدفع أثمانا باهظة لأجل الدفاع عن أرض وسيادة لبنان، وآخرها استشهاد أمينه العام سماحة السيد حسن نصر الله، رحمه الله، الذي انضمّ إلى قافلة الشهداء الذين سقطوا نتيجة العدوان الإسرائيلي الآثم على لبنان، هذه القافلة التي سار على دربها خيرة أبناء لبنان وعلى رأسهم شهيد لبنان الكبير دولة الرئيس رفيق الحريري، رحمة الله عليه، فاستماتة أبناء لبنان في الدفاع عن كل شبر من أراضيه لا نظير لها في التاريخ.
وبالتالي، فتصوير الحرب المفتوحة على لبنان بأنّه صراع بين العدو الإسرائيلي و”حزب الله” هو خطأ كبير وجريمة بحق لبنان واللبنانيين الذين تحتضن أغلبيتهم المقاومة وتدعّمها، فالصراع مع هذا العدو ليس وليد اللحظة، بل مستمر منذ عقود، وهو معركة مفتوحة لا يمكن حصرها بفصيل سياسي معين، وقد سبق لهذا العدو أن انتهك سيادة لبنان آلاف المرات، برا وبحرا وجوا، وقوّض جهود الاستقرار في المنطقة، وكما تعلمون هناك أراض لبنانية محتلّة لحد الآن (مزارع شبعا وتلال كفر شوبا)، وهناك قرار دولي رقم 425 صادر في 1978 يقضي بالانسحاب الفوري للقوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية، واحترام سلامة لبنان الإقليمية وسيادته داخل حدوده المعترف بها دوليا، لكن إسرائيل كالعادة تتملص من تطبيقه، وللعلم اعتمد مجلس الأمن عدّة قرارات تدعو إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي اللّبنانية وبسط السلطة على كامل أراضي البلاد ووقف العنف وحماية المدنيين واحترام سيادة لبنان، لكن إسرائيل كالعادة لم تذعن لأي منها.
وقد سبق لرئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي أن أكّد قبل بداية العدوان أنّ لبنان لا يريد الحرب، لكنه في نفس الوقت مستعد للدفاع عن نفسه إذا تعرّض لاعتداء من طرف العدو الإسرائيلي.
هل لديكم تفسيرات أمنية عن وصول الجيش الإسرائيلي لقيادات “حزب الله” و”حماس” الفلسطينية في قلب لبنان؟
لسنا خبراء في المجال الأمني أو العسكري، لكن وكما لا يخفى على الجميع يمتلك العدو الإسرائيلي من التكنولوجيا العسكرية المتطوّرة ومن القدرات التقنية ذات الكفاءة العالية في مجال التجسّس، ما يمكّنه من الوصول إلى أيّ كائن كان، فإسرائيل لديها قدرات وتقنيات سرية عالية في هذا المجال، وتتحكم بأقمار اصطناعية تمكّنها من الحصول على كل ما تحتاجه من معلومات وبدقة عالية.
ألا ترون أنّ بلدكم يتحمل منذ عقود عبء الصراع الإقليمي في المنطقة؟
نعم، وهذا قدرنا، لبنان صورة مصغرة عن الشرق الأوسط، هو مكان سفكت فيه الدماء، ومسحت فيه الدموع، ورُفِعت فيه الصلوات، إنه مهد الحضارات وملتقاها.
موقع لبنان الجيوسياسي جعله رهن السياق الإقليمي، فأصبح منطقة نزاعات وصراع بين العديد من المصالح، خاصة الصراع العربي الإسرائيلي، وغالبا ما ينعكس الوضع الإقليمي في المنطقة على الوضع العام في لبنان، وخاصة من خلال مساندته للقضية الفلسطينية العادلة واحتضان مقاومتها، فقد سبق للبنان أن عاش صراعات عنيفة، وكان أكثرها حدّة وشدة الحرب الأهلية التي ذهب ضحيتها عشرات الآلاف، واستمرت لأكثر من خمسة عشر عاما، والتي لم تكن لأسباب داخلية بقدر ما كانت نتيجة للظروف الإقليمية التي غالبا ما أثّرت تداعياتها على الوضع الداخلي.
أما آن لهذا الوضع أن يتغير؟ من حقنا كلبنانيين حماية سيادتنا الوطنية، من حقنا العيش بأمان وسلام بعيدا عن الحروب والقتل والتهجير، من حق أطفالنا أن ينعموا بمستقبل آمن يبعد عنهم شبح الحروب وأهوال الصراعات، حان الوقت لرفض العنف وتطبيق القوانين الدولية بحيث لا تبقى حبرا على ورق.
كيف تتعاملون مع هذا الوضع الحالي ميدانيا، خاصة تأمين المواطنين؟
وضعت الحكومة خطة طوارئ منذ بداية العدوان بالإمكانات المتاحة لحماية وسلامة وأمن المواطنين، وتحتفظ بحقها في الدفاع عن النفس وفقا للقانون الدولي، ومقاربة الحكومة تنطلق من معايير وطنية وإستراتيجية حفاظا على وحدة لبنان وسلامة أراضيه، في ظل عدوان إسرائيلي يعمل على قصف الأحياء السكنية المكتظة وقتل المدنيين ضاربا بعرض الحائط القانون الدولي والإنساني، ولبنان عائلة كبيرة واحدة، يعمل فيها الجميع من أفراد وجمعيات وهيئات إغاثية على إيواء النازحين وتوفير كل ما يحتاجونه من ملبس ومأكل ومستلزمات طبية وإنسانية.
بالمقابل، ندعو المجتمع الدولي للعب دور حاسم وفوري لكبح العدوان المستمر على بلادنا، وخفض التصعيد لتجنّب دوامة العنف المدمرة والتي أصبح احتواؤها أكثر صعوبة.
هل لديكم تقديرات دقيقة حتى الآن عن كل الأضرار البشرية والمادية التي لحقت بالشقيق لبنان؟
نعم، فحسب آخر الإحصاءات الرسمية، تجاوز عدد الشهداء 3100 شهيد، وتعدى عدد الجرحى 14000جريح، وقد أصبح 12 مستشفى خارج الخدمة كليا، وتستمر عملية النزوح من المناطق التي تتعرض للاعتداءات اليومية إلى المناطق الآمنة، حيث بات ثلث الشعب اللبناني نازحين، هذا وسجّل الأمن العام اللبناني عبور أكثر من 190000 مواطن لبناني وما يزيد عن 370000 مواطن سوري إلى الأراضي السورية.
وبالإضافة إلى استهداف المدنيين الأبرياء، يتعمّد العدو الإسرائيلي استهداف الأطقم الطبية والأطقم الإعلامية، ما أدى إلى استشهاد وجرح عشرات الصحفيين والمصورين.
أما بالنسبة للخسائر المادية، فقد طالت مختلف المجالات، حيث دمّرت آلة الحرب الإسرائيلية بنى تحتية ومصانع ومؤسسات ومقار بلديات ومحال تجارية، ولم تسلم حتى دور العبادة من مساجد وكنائس ومؤسسات التعليم من مدارس وجامعات، إضافة إلى القطاع الزراعي بكامله في الجنوب والبقاع، والذي قُدّرت خسائره بمليارات الدولارات، فيما قُدّرت خسائر القطاع السياحي، الذي كان يدر على لبنان سنويا بين 5 و7 مليار دولار، بنحو 90 بالمائة، أي خسارة ما بين 4 و5 مليار دولار، وللعلم، تمّ تسجيل أكثر من 12200 غارة جوية وقصف على مناطق مختلفة من لبنان منذ بداية العدوان.
من دون أن ننسى الخسائر الاقتصادية غير المباشرة التي لا تعدّ ولا تحصى، حيث أثّرت الحرب بشكل كبير على الناتج المحلي وعلى فُرص العمل بخسارة مئات الآلاف من القوى العاملة وظائفهم وشركاتهم ومصانعهم.
وأودّ هنا أن أُشير إلى نقطة مهمة، ففي خضم حربها على لبنان، تتبنّى إسرائيل قصفا مُتعمّدا وتدميرا واسعا للمواقع الأثرية اللبنانية التي يوجد بعضها ضمن قائمة “اليونيسكو” للتراث العالمي، ونسفا ممنهجا للقرى والبلدات الجنوبية. وكما تعلمون، بنى الفينيقيون واحدة من أعظم حضارات العالم في لبنان، وتحديدا في مدينة صور، التي تتعرض لواحدة من أكثر عمليات التدمير في تاريخها على يد جيش الاحتلال.
كما قصفت إسرائيل موقعا قريبا جدا من منطقة آثار رومانية في مدينة بعلبك التي تسمى “مدينة الشمس”، وقبلها تعرضت قبة “دوريس” الأثرية لتدمير متعمد بسبب ضربات مباشرة وصلت ارتداداتها إلى قلعة بعلبك الرومانية، التي يعود تاريخها إلى أكثر من 5000 سنة، وأدّت لتهاوي أجزاء منها، فضلا عن تدمير عديد من المساجد والأبنية التراثية في مختلف مناطق المدينة، وقد سبق لإسرائيل أن استخدمت سياسة تدمير التراث خلال حروبها السابقة على لبنان لمحو تاريخ اللبنانيين، ولإزالة كل دليل على وجود لأصحاب الأرض في أرضهم وثقافتهم، وهو نمط معروف لدى العدو الإسرائيلي تاريخيا.
هل المنظومة الصحية في لبنان قادرة على التكفل بهذا العدد الكبير من الضحايا؟
يتعرض القطاع الصحي في لبنان لاستهداف مباشر، وبسبب الارتفاع الكبير في عدد الضحايا والإصابات، حيث تستقبل مستشفيات الخطوط الأمامية ومستشفيات الإحالة ما لا يقل عن 300 مصاب يوميا، هناك نقص حاد في الأدوية ومختلف المستلزمات الطبية بسبب بعض الحالات المستعصية، ما أدى إلى استنزاف قوى الموظفين ونفاد الإمدادات.
وبسبب الاستهداف المباشر للأطقم الصحية والإسعافية، خرج 12 مستشفى عن الخدمة بشكل كامل، كما أنّ الهجمات على العاملين الصحيين والمرافق الصحية، تسبّبت باستشهاد ما يزيد عن 100 شخص، وهذه الأرقام مرشحة للارتفاع مع تزايد وتيرة القصف اليومي، والقضية الأساسية للمنظومة الصحية في الوقت الراهن، هي توفير ما يحتاجه القطاع الصحي من أدوية ومستلزمات طبية في ظلّ هذه الأوضاع الصعبة، ويبقى نظام الرعاية الصحية في لبنان يكافح لمواجهة التحديات والأوضاع الاستثنائية الراهنة.
ما قدرة لبنان المثقل بالمشاكل الاقتصادية على التكفل بهذا العدد الهائل من النازحين؟
كما سبق وذكرت، أصبح أكثر من ثلث اللبنانيين نازحين (مليون ومائتا ألف نازح)، وتقوم الدولة بواجباتها ضمن إمكانياتها للتكفل بالنازحين والتعامل مع تداعيات العدوان، حيث قامت بتجهيز ما يزيد عن1140مركز إيواء، لكن وكما لا يخفى على أحد، فإنّ النزوح يتفاقم مع استمرار العدوان، والأعداد الكبيرة من النازحين تشكل أزمة تتجاوز قدرة أيّ دولة على التعامل معها، حتى لو كانت تلك الدولة مستقرة، ورغم الجهود الحكومية لتنفيذ خطة طوارئ لتأمين مراكز إيواء وتوفير الاحتياجات الأساسية، إلاّ أنّ الأعداد الهائلة من النازحين تفوق الإمكانات المتاحة، ما يجعل التعامل أكثر صعوبة.
ومن هذا المنبر أوجه نداء وأناشد الأيادي البيضاء في هذا البلد الشقيق، من جمعيات خيرية وهيئات إغاثية وعلى رأسها الهلال الأحمر الجزائري، بضرورة دعم لبنان ومساعدته لتعزيز استجابته الإنسانية بتأمين المستلزمات الأساسية من مواد غذائية وأفرشة، بالإضافة إلى الأدوية والمستلزمات الصحية الضرورية.
أعلنت الحكومة اللبنانية تمسّكها بالقرار 1701 والمبادرة الأمريكية الفرنسية لوقف إطلاق النار، لماذا؟
نعم سبق وأعلنت الحكومة اللبنانية صراحة، وعلى لسان دولة رئيس مجلس الوزراء الأستاذ نجيب ميقاتي، التزامها بالقرار 1701، وعزمها على تعزيز الجيش في الجنوب عددا وعُدّةً، ورحّبت بكل المواقف التي تدعو إلى وقف إطلاق النار، إلاّ أنّ العدو الإسرائيلي انقلب على كل الحلول المقترحة ومضى في جرائم الحرب بحق مختلف المناطق اللبنانية وصولاً الى استهداف المواقع الأثرية، وهذا بحدّ ذاته جريمة إضافية ضدّ الإنسانية ينبغي التصدي لها ووقفها.
وكما أكّد وزير الخارجية والمغتربين الدكتور عبد الله بوحبيب، يشكل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 خطّ الدفاع الأول عن لبنان ويمثل التزاما من كل أطراف المجتمع الدولي بالحفاظ على استقرار وسيادة وأمن لبنان وشعبه، ويشكل الأساس القانوني والدبلوماسي الذي يضمن حماية الأمنَيين اللبناني والإقليمي، فالالتزام بالقرار 1701 أمر ضروري ليس فقط للبنان بل للمنطقة برمّتها، وهو أفضل أداة دبلوماسية لدينا لإيقاف دوامة العنف، وقد سبق للحكومة اللبنانية طلب تطويع 1500 جندي في الجيش اللبناني، رغم الصعوبات الاقتصادية، لنشرهم في الجنوب كجزء من التزامها الوطني الثابت بتطبيق القرار 1701.
كما يرى لبنان في المبادرة الأميركية الفرنسية بدعم دول صديقة أخرى فرصة لإرساء هدوء طويل الأمد، يعطي استقرارا على الحدود ويُعيد النازحين إلى منازلهم، ويطالب لبنان باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لوضع هذه المبادرة موضع التنفيذ، ويجدّد لبنان مطلبه بالضغط لوقف العدوان تمهيدا للبحث في السبل الكفيلة بتطبيق القرار 1701 من دون أيّ إضافات أو تفسيرات.
لماذا فشل مجلس الأمن حتى الآن في وقف إطلاق النار؟
من الواضح أنّ إسرائيل أصبحت حقا لا تلتزم لا بالقانونين الدولي والإنساني ولا بالقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، فهي لطالما تجاهلت وتتجاهل الشرعية الدولية وحقوق الإنسان لأنها اعتادت عدم المحاسبة على أفعالها، ما شجّعها في كل مرّة على الاستخفاف بقرارات الشرعية الدولية، فمن خلال الأسلحة والذخائر التي تستعملها إسرائيل ضدّ لبنان وشعبه، نتأكد أنها تريد من خلال هذه الحرب أن تدفع بنا والمنطقة إلى عصر مظلم، حيث يتم وبشكل منهجي تقويض القوانين الرادعة والضمانات، وكل ما من شأنه أن يمنع هذه الإنسانية من الغرق في بحر من التوحش.
ما المطلوب دوليا لإلزام الجانب الإسرائيلي بوقف إطلاق النار؟
المطلوب مضاعفة جهود الأمم المتحدة ومجلس الأمن وممارسة أقصى الضغوط على العدو الإسرائيلي لوقف عدوانه وانتهاك سيادة لبنان، والاستهداف المُتعمّد للمدنيين ومراكز الجيش اللبناني ولقوات اليونيفيل، بالإضافة إلى دفع إسرائيل إلى تنفيذ القرار 1701 والانسحاب من الأراضي اللبنانية التي لا تزال تحتلها.
منذ نشأة الكيان الإسرائيلي عام 1948، ولبنان يتعرض للاعتداءات والانتهاكات المتواصلة والتي ووجهت بمقاومات شعبية على مرّ التاريخ، هناك أطماع قديمة في ثروات لبنان المائية والنفطية، عداك عن مشروع نتنياهو المصرح به مؤخراً من على منبر الأمم المتحدة حول تغيير خريطة الشرق الأوسط واستباحته وإعادة التركيب بما يلائم إسرائيل ومشروعها العقائدي في الهيمنة على المنطقة.
وكما سبق وقال دولة الرئيس ميقاتي،إنّ تمادي العدو الاسرائيلي في عدوانه على لبنان والجرائم التي يرتكبها قتلاً وتدميراً، هي بِرسم المجتمع الدولي الساكت على ما يجري، في الوقت الذي ينبغي أن تمارس الدول التي تحمل لواء الانسانية وحقوق الانسان أقصى الضغط على اسرائيل لوقف عدوانها.
هل تعتقدون أن الدبلوماسية اللبنانية قادرة على تجنيب لبنان الحرب؟
لقد بحّ صوت اللبنانيين حكومة وشعبا بأنّنا لسنا هُواة حرب ولا سُعَاة ثأر بل نطالب بالعدالة وبتطبيق قرارات الأمم المتحدة، كما قال معالي وزير الخارجية والمغتربين الدكتور عبد الله بوحبيب، وبالرغم من الظروف القاسية التي يعيشها اللبنانيون، إلاَ أنّنا متمسكون أكثر فأكثر بالشرعية الدولية ونحتمي بقراراتها، وبِقدر ما يؤسفنا عجز الأمم المتحدة لتاريخه عن حمايتنا من العدوان، فسنبقى متمسكين بدور المنظمة الأممية كخطّ دفاع في وجه الاحتلال والعنف والدمار، ولا زلنا نتطلع إلى الحوار الدبلوماسي البَناء بديلا عن لغة السلاح لحل هذا النزاع، ولايزال سقف آمالنا مرتفعا لإيجاد مسار سياسي يُخرجنا من هذه الأزمة المتفاقمة.
وقد سبق أن حذّر لبنان عبر مندوبه الدائم لدى الأمم المتحدة من أنّ الشرق الأوسط يتجه أكثر وأكثر إلى حرب مفتوحة وبلا ضوابط، والحل يبقى بالعودة إلى الحلول السياسية المبنية على قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، كما أكّد لبنان عبر مندوبه الدائم لدى الجامعة العربية موقفه الرافض للحرب وتمسكه بالحلول الدبلوماسية وإنهاء الاحتلال لجميع أراضيه.
نؤمن بالدبلوماسية اللبنانية، سلاحنا الكلمة والقلم، والقلم هو السلاح الأساسي في معركة الوجود للأمم والدول عبر العصور، فمن العبث إذاً أن نضع السلاح في مواجهة القلم، فدائما يكون هذا الأخير هو المنتصر.
كيف تنظرون إلى مواقف الحكومات والجامعة العربية ممّا يحدث في لبنان؟
لقيَ لبنان مواقف دعم ومساندة من أشقائه العرب، حيث دشّن العديد منهم جسورا جوية لنقل مساعدات مختلفة ضمّت مواد غذائية وطبية وإيوائية، بالإضافة إلى فتح حسابات لجمع تبرعات مالية مخصصة لدعم صمود الشعب اللبناني، أضف إلى ذلك جامعة الدول العربية التي أكدت تضامنها مع لبنان وحمّلت إسرائيل مسؤولية هذا التصعيد الخطير، كما حذّرت من تداعيات هذا العدوان الوحشي على لبنان الذي قد يؤدي إلى اشتعال حرب إقليمية شاملة تُهدّد أمن واستقرار المنطقة بأسرها.
وقد سبق للبنان أن ثمّن على لسان مندوبه الدائم في الجامعة العربية مواقف الدعم والمساعدات التي صدرت عن الدول العربية وكذلك التي قدمتها الأمانة العامة للجامعة العربية، كما طلب بتقديم المزيد من الدعم وإرسال مساعدات إغاثية وطبية نظرا للضغط الهائل الذي يتعرض له القطاع الصحي بسبب العدوان الغاشم، ويبقى أمل لبنان قائماً على دعمٍ أكبر من إخوته لتحقيق أمنه واستقراره ولوقف طبول الحرب التي تدقّ أبواب الشرق الأوسط بأسره.
سبق أن قدّمت الجزائر شحنة من الفيول قبيل بداية العدوان الإسرائيلي، هل تطمحون لخطوات مماثلة من الأشقاء العرب؟
بالمناسبة أجدّد شكري للجزائر الحبيبة التي عوّدتنا دائما على وقوفها إلى جانب لبنان ومساندتها له في السراء والضراء، وآخرها، كما ذكرتم، باخرة الفيول الموجهة لإعادة تشغيل محطات الطاقة، كدفعة أولى من المساعدات الجزائرية للبنان في الظرف العصيب الذي يمر به، والتي من المقرر أن تتبعها دفعات أخرى بمشيئة الله.
كما أشكر الجزائر الشقيقة على المنح الدراسية التي خصّصتها للطلبة اللبنانيين للسنة الدراسية 2024/2025، والمقدرة بـ26 منحة في اختصاصات مختلفة، والتي تُضاف إلى سجل المبادرات الجزائرية الكثيرة تجاه لبنان.
هذا وأُحيّي بالمناسبة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين على مبادرتها التضامنية بإرسال وفد إغاثي إلى لبنان ضمّ أطباء وجراحين.
كما أُثني على جهود الجزائر الشقيقة المبذولة بهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، من خلال موقعها كعضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي، في سبيل إيجاد حلّ لحرب الإبادة التي يتعرّض لها أشقائنا في فلسطين والتي امتدّت إلى لبنان، وقد سبق لوزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج السيد أحمد عطاف، أن أكّد أنّ الجزائر ستبقى تطالب بعقدِ الاجتماع تِلو الاجتماع، واتخاذِ المبادرة تِلو الأخرى، لإيجاد حلّ للمأساة التي يعانيها الشعب الفلسطيني وكافة دول وشعوب المنطقة التي تطالُها يدُ العدوانِ الإسرائيلي.
وأُحيّى بالمناسبة جميع الدول الشقيقة والصديقة على مبادراتها التضامنية مع لبنان ومساندتها له ومدّه بالدعم اللازم على مختلف الأصعدة، وآخرها مؤتمر باريس الذي نجح في حشد دعم مالي للبنان قُدّر بمليار دولار، 800 مليون دولار لتخفيف الأزمة الإنسانية ومساعدة النازحين، و200 مليون دولار لدعم الجيش اللبناني.
وأجدّد من هذا المنبر النّداء للحكومة الجزائرية وللخيّرين في هذا البلد الحبيب، من جمعيات خيرية وهيئات إغاثية وعلى رأسها الهلال الأحمر الجزائري، بضرورة مساعدة لبنان ومدّه بشكل عاجل بمختلف المستلزمات الطبية والمساعدات الإنسانية المختلفة، خاصة ونحن على أبواب الشتاء، لتغطية الإحتياجات المتزايدة جراء تواصل العدوان وزيادة عدد النازحين.
في الختام، أودّ أن أؤكد أنّنا نحن أبناء هذه الأرض وسنبقى فيها والاحتلال إلى الزوال إن شاء الله.