بين إرادة إيران ورغبات إسرائيل: لبنان محك اختبار ترامب
الاحداث- كتب منير الربيع في صحيفة المدن الإلكترونية يقول:"انشغل لبنان بمضمون رسالة مكتوبة وقّع عليها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في ولاية ميشيغن، وتحديداً في مطعم يعود لشخص لبناني يُدعى حسن عباس، مضمون الرسالة هو مساعي ترامب لوقف الحرب نهائياً في الشرق الأوسط وتعميم السلام. استند رئيس مجلس النواب نبيه بري على هذه الرسالة للإشارة إلى إمكانية عمل ترامب وفق مسار جديد لوقف الحرب. وهذا ما يراهن عليه اللبنانيون. في المقابل فإن الإسرائيليين وبنيامين نتنياهو تحديدا، كانوا من أكبر الداعمين لترامب وأكثر المعولين على عودته إلى البيت الأبيض لتكريس وتحقيق حلمه الموعود في "الدولة اليهودية" وضرب القضية الفلسطينية نهائياً.
انتخب ترامب في أكثر لحظات التوتر الإيراني الإسرائيلي وتبادل الضربات بينهما. طهران تستعد لتوجيه ضربة جديدة لتل أبيب، أما خيار الإقلاع عنها فثمنه وقف الحرب على غزة ولبنان. وهذا يفتح مساراً جديداً للتفاوض الإيراني الأميركي، لا سيما أن إيران ستكون مستعدة لإبرام اتفاق مع إدارة ترامب وفق ما تشير مصادر متابعة من طهران.
تغيير سلوك إيران
المشروع الذي يريد ترامب تحقيقه هو إنهاء الحروب في المنطقة، لذا قد يكون مستعجلاً لإبرام اتفاقات أو تفاهمات، ولكن عمودها الفقري هو إسرائيل ومصلحتها وأمنها وأهدافها. إذ لا يمكن للولايات المتحدة الأميركية أن تتجه إلى أي اتفاق مع إيران بما يتعارض مع المصالح الإسرائيلية خصوصاً في ظل الحرب الموسعة التي يخوضها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. لا مواقف في الولايات المتحدة الأميركية حول إسقاط النظام الإيراني، أو ضرب إيران أو الدخول في حالة عداء معها، بل المُراد هو تغيير السلوك الإيراني في المنطقة. في ولايته السابقة انحسب ترامب من الاتفاق النووي، شدّد الخناق الاقتصادي على إيران من خلال سياسة العقوبات، واغتال قائد فيلق القدس قاسم سليماني.
أطلق ترامب خلال ولايته الأولى معادلة صفقة القرن، والتي كانت تتمحور حول التطبيع العربي الإسرائيلي، مقابل إيجاد صيغة معينة لفلسطين والشعب الفلسطيني. أما اليوم فالمسألة تختلف عن المرحلة السابقة، خصوصاً بعد الحرب الموسعة التي يشنها نتنياهو على المنطقة، ويدّعي فيها أنه يسعى إلى تغيير وجه الشرق الأوسط، ما قد يضع ترامب أمام معادلة "صفعة القرن" التي يُراد توجيهها للمنطقة بيد نتنياهو الغليظة. لا سيما بالنظر إلى المسار الذي ينتهجه في عمليات التدمير والتهجير والتجزير في قطاع غزة مع تطبيق خطة الجنرالات في شمال القطاع، والتمهيد للانقضاض أكثر على الضفة الغربية وتطويقها وخنق ناسها في سبيل تهجيرهم أيضاً. فنجاح مشروع نتنياهو يمسّ بالأمن القومي العربي ولا سيما لمصر والأردن، ولا يقف فقط عند حدود تقويض نفوذ إيران.
ترامب وانتصار اسرائيل
قالها ترامب علانية رداً على سؤاله حول الحرب بين حزب الله وإسرائيل، وهي أنه يجب العمل على حلّ هذا الأمر برمته.
وبالعودة إلى موضوع الرسالة التي انشغل بها لبنان، صدر توضيح عن المتحدث باسم الحملة الانتخابية لترامب بأن وقف الحروب سيكون منسجماً مع مصلحة إسرائيل. وقالت الناطقة باسم ترامب: "الرئيس يريد أن تنتنهي الحروب في أسرع وقت ممكن، لكنه يريد ذلك بانتصار إسرائيل على نحو حاسم، وإدارة بايدن لم تكن حاسمة في دعمها لاسرائيل". فذلك يوحي بالمزيد من العنف والتصعيد الذي سيمارسه نتنياهو من الآن وحتى موعد دخول ترامب إلى البيت الأبيض. خلاصة هذا الكلام أن مشروع ترامب سيكون تكريس نفوذ إسرائيل في المنطقة وتعزيزه من خلال إعادة خلق منظومة إقليمية متماهية أو مرتبطة بتل أبيب. يأتي ذلك على وقع الحرب التي يسعى من خلالها نتنياهو إلى تغيير كل المعادلات، من خلال الضربات القاسية لرافضي هذا المشروع وخصوصاً حزب الله وحركة حماس.
لا يعني ذلك أن ترامب يريد استمرار الحروب، بل يهدف إلى إرساء السلام ولكن وفق رؤيته وبما يتلاءم مع المصلحة الإستراتيجية الإسرائيلية. مما لا شك فيه أيضاً أن طهران ستكون مستعدة لإبرام صفقة، وهو ما يريده ترامب. في هذا السياق لا تبدو مطالب طهران كبيرة أو مستعصية بعد كل التطورات التي حصلت، خصوصاً أنه خلال هذه الحرب وافقت إيران بشكل أو بآخر على معادلة "حل الدولتين" أي تنازلت عن فكرة إزالة إسرائيل من الوجود، كما أن المرشد الإيراني علي خامنئي مرر مواقف حول إمكانية التفاهم مع الولايات المتحدة الأميركية، كما أن وزير الخارجية الإيراني بالوكالة قبيل الانتخابات الإيرانية علي باقري كني قال بوضوح إن مشكلة إيران مع أميركا في المنطقة هي مشكلة النفوذ، لاحقاً مرر وزير الخارجية عباس عراقجي تصريحاً حول الدولة الواحدة.
انفلاش إيران
ما تريده إيران هو الاعتراف بدورها في الإقليم، والاعتراف بأدوار حلفائها في مختلف الدول الموجودين فيها بالإضافة إلى رفع العقوبات. في المقابل ما تريده واشنطن هو التغيير في جوهرية المواقف الإيرانية، بما يضمن أمن واستقرار إسرائيل، ولا يجعل إيران بهذا الانفلاش الكبير على مستوى المنطقة أو أن تكون الدولة الأقوى في الإقليم. لا تزال إيران تراهن على المسار العسكري والتفاوضي لوقف هذه الحرب، ومنع انتقال الصراع إلى أراضيها، فهي لا تريد حرباً إقليمية بينها وبين إسرائيل.
ما بين العام 2015 واليوم تعيرت وقائع ومعادلات كثيرة في المنطقة الشرق الأوسط. ففي فترة الاتفاق النووي، لم تكن إيران تتمتع بالنفوذ الكبير في سوريا، ولم تكن موجودة بتأثيرها الأكبر في اليمن. ما بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، والدخول في سياسة الضغط على إيران، شهدت المنطقة حالة من الكباش المستمر، والذي حاولت إيران التموضع معه من خلال اتفاقيات على القطعة، سواء بتمرير ترسيم الحدود البحرية في لبنان، أو ببعض الاتفاقيات الموضعية في العراق، لكنها في المقابل لم تستطع أن تنال مكتسبات كبيرة. في المقابل، عملت إسرائيل على تغيير وقائع عسكرية وسياسية وأمنية في المنطقة ككل منذ تشرين الأول 2023 إلى اليوم، بما يهدف إلى تقويض إيران ونفوذها من خلال ضرب حلفائها وإضعافهم.
بلا شك أن إيران تحتاج للاتفاق، وترامب يريد أن يبدأ عهده بإنجاز سياسي وديبلوماسي على مستوى المنطقة، والاختبار الحقيقي سيكون هذه المرّة حول لبنان الذي تحول إلى ساحة صراع إسرائيل إيراني. ففي حال سارع ترامب إلى إبرام اتفاق مع الإيرانيين على مستوى المنطقة ككل، ولم تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها وإنهاء قدرات حزب الله العسكرية، فيمكن للإيرانيين والأميركيين العودة إلى ملامح تفاهمات سابقة بدأ العمل على نسجها ما بين وزير الخارجية الإيراني السابق منوشهر متكي، ووزيرة الخارجية الأميركية في عهد جورج بوش كوندوليزا رايس، في حينها تمت صياغة ورقة كاملة تتضمن توسيع تفاهم نيسان 1996 لتكريس الاستقرار في جنوب لبنان، إيجاد حلّ لمزارع شبعا من خلال وضعها بداية تحت وصاية الأمم المتحدة للوصول إلى تفاهم بشأنها، بعدها ترسيم الحدود البحرية والبرية، ودمج حزب الله في الحياة السياسية اللبنانية كجزء من التركيبة الفعلية في بنية النظام اللبناني، ووضع آلية لاستيعاب سلاح حزب الله من ضمن استراتيجية دفاعية. كل هذه الأفكار مطروحة مجدداً على وقع الحرب التي تشنّها إسرائيل على لبنان، دول كثيرة تقدّم رؤيتها ومساعيها لأجل البحث في مرحلة ما بعد الحرب، فيما سيسعى نتنياهو إلى الاستفادة من كل لحظة قبل دخول ترامب إلى البيت الأبيض وتغيير مسار الأمور ووجهتها، فيكون نتنياهو قد حقق أقصى ما يريده عسكرياً ليتمكن من فرض شروط تلائمه في أي اتفاق أو صفقة.