خبراء يقرأون أبعاد تصريح الرئيس الإيراني
الاحداث- كتب إبراهيم بيرم في صحيفة النهار يقول:"ما حقيقة أن طهران "باعت" "حزب الله"؟فيما كانت قاعدة "حزب الله" مشدودة تماما إلى مجريات المواجهة الضارية مع الإسرائيليين، استشعرت مرارة جديدة وأمرا مثيرا للريبة مع الموقف المفاجئ الذي أطلقه الرئيس الإيراني #مسعود بزكشيان، واعتبر فيه صراحة أن ليس لـ"حزب الله" قدرة على أن يواجه بمفرده الإسرائيليين لأنهم يحظون بدعم ضخم متنوع من حلفائهم. وسارع البعض إلى الاستنتاج أن هذا الكلام في أوج المواجهات على الحدود الجنوبية ينطوي على دعوة الحزب إلى وقف المواجهات والتفاعل بإيجابية مع عروض الحل والتسويات المطروحة أو الموعودة.
وعلى الأثر، سرى تعبير مفاده أن "إيران قد باعت حزب الله" أو على الأقل انطلقت لتوّها في رحلة بيعه أو المساومة على رأسه. ورسّخ هذا الاعتقاد:
- أن طهران لم تبادر إلى تقديم أي دعم عملاني للحزب يساعده في مواجهة الهجمة المحتدمة عليه، مع ملاحظة أن الدعم العيني المنتظر من طهران كان شحيحا، بل نادرا.
- إن الذين اعتادوا النطق بلسان الحزب، قد كُمّت أفواههم وتجاهلوا الموضوع وتغاضوا عن السجال الدائر حوله داخل قاعدة الحزب.
- كل محاولات طهران لتوضيح الأمر لم تكن لتزيل آثار تصريح الرئيس بزكشيان أو تقدم تفسيرا منطقيا يقطع الشك باليقين.
وانشغلت بهذا التطور قاعدة الحزب، ولاسيما الفئة التي اعتادت المشاركة في ورش النقاش الدائمة، إذ إن بعضها استبعد فرضية أن إيران ولجت طور التخلي عن الحزب وغزة، وكل ما في الأمر أن رئيس إيران "نازل تخبيص" ويستعمل "تعابير ليست في مكانها، ويسارع الإعلام المعادي إلى تضخيمها واستغلالها"، وفق نص على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي.
فيما أعطى البعض الآخر موقف الرئيس الإيراني بعدا اتهاميا أكبر عندما كتب أن "عدم نجدة إيران للمقاومة عندما احتاجت إلى ذلك هو في ذاته بيع. وإذا كانوا يريدون أن يبيعوا فليفعلوا ذلك "ولكن ع السكت وتحت الطاولة لأنه أرحم".
ويذهب الشعور بالمرارة عند ثالث إلى القول إنه كان على إيران أن تأخذ "الدور البراغماتي منذ زمن لكي تتحمل الدول العربية والإسلامية كلها مسؤولية ما يجري في فلسطين". وبطبيعة الحال، ثمة من يسقط نظرية البيع والشراء عن إيران ويكتب أن "لديها قيما وأخلاقا تبعدها عن المتاجرة بالناس والقيم".
"أولويات مختلفة"
وفي معرض تحليله لهذا المشهد المستجد، يقول الباحث السياسي والأكاديمي الدكتور #سامي نادر لـ"النهار": "القول إن إيران قد تخلت عن حزب الله أو أنها على وشك أن تبيعه، بلا قيمة. الجليّ أن طهران التي وصل إلى سدة الرئاسة فيها إصلاحي، بدأت تعتمد أولويات مختلفة ورؤية أوسع وأعمق. بمعنى آخر، نجد أن إيران التي انتخبت بفارق كبير مرشح التيار الإصلاحي، تريد أن تثبت لمن يهمه الأمر في هذا العالم أنها باتت منفتحة على ما من شأنه إحياء مفاوضاتها مع واشنطن والمعسكر الغربي عموما، وفي هذا السبيل تسعى إلى كل ما يعرقل وصول ترامب إلى سدة الرئاسة في واشنطن، اقتناعا منها بأن ذلك يفضي إلى وقائع ترى طهران أنها ليست من مصلحتها، وخصوصا أن لها تجربة مريرة مع ترامب الذي كان رئيسا لمرة واحدة في واشنطن".
ويضيف: "لقد اتخذ بزشكين هذا الموقف الانفتاحي في لحظة كانت فيها كل الاستطلاعات تشير إلى أن حظوظ ترامب في تصاعد، وأنه واصل إلى حيث يسابق. لذا ثمة من يدرج موقفه في خانة تقديم دعم معنوي لمرشحة الحزب الديموقراطي المنافسة لترامب" .
ويتابع نادر: "ثمة توجه إستراتيجي عند طهران حاليا لمساعدة المرشحة المنافسة على بلوغها البيت البيضاوي، لأن ذلك إن تحقق فهو فرصة لإحياء المفاوضات النووية مع واشنطن".
وردا على ما يثيره ذلك كله على وضع "حزب الله"، يجيب: "في تقديري أن الحزب واع لهذا الأمر، فهو يعرف أنه في وضع عسكري صعب ومتورط في مواجهة غير متكافئة أكلت إلى حد بعيد من الرصيد الذي حققه في مواجهة 2006، لذا هو ملزم الاستمرار في ما بدأه، لكنه يحرص على ألا تكون هناك حرب شاملة، وخصوصا أن إسرائيل تجد نفسها وقد تحررت من عبء حربها في غزة وعليها توجيه كل جهودها نحو الشمال" .
ويشير إلى أن "إيران لن تتخلى عن حليفها الحزب، لكنها مع أولوياتها الجديدة مجبرة على اتخاذ هذا الموقف الذي ينم عن أمرين: الاستعداد لخفض منسوب التوتر والاحتقان في المنطقة، والتجاوب مع كل ما يسهل وصول مرشحة الحزب الديموقراطي للتقليل من فرص فوز منافسها".
ويخلص نادر إلى الاستنتاج أن "كلام بزكشيان لم يكن زلة لسان، بل كان كلاما واعيا لكنه ليس بداية "بيع" طهران للحزب وسائر الحلفاء".
تضخيم
ولكنْ للباحث والأكاديمي طلال عتريسي القريب من "الجو الإيراني" وجهة نظر مختلفة، إذ يقول لـ"النهار": "لا بد من الإشارة استهلالا إلى أن ثمة ماكينة إعلامية معادية استغلت تصريح بزكشيان وضخمت الموضوع رغبة منها في زيادة التأثير السلبي على معنويات بيئة المقاومة. ومع وصول بزكشيان وفريقه الإصلاحي إلى الرئاسة في طهران كنا نرتقب أن يجنح إلى بعض الحياد عن خط السياسة الخارجية المعروف في إيران، وأن يبدو غير منخرط كليا في المواجهات التي يخوض غمارها حلفاء إيران في الإقليم. وهو بذلك يحاول أن يحذو حذو الإصلاحيين الذين سبقوه إلى تولّي الحكم في طهران، ويسعى إلى تكرار تجاربهم بما فيها التفاوض مع واشنطن والغرب للتوصل إلى اتفاقات وتفاهمات. لذا بادر إلى هذا الموقف المثير، ولم يتراجع عنه رغم الضجة المثارة حوله، وهو ما يعني أنه يترجم اقتناعا يبدو راسخا عنده".
وينفي ردا على سؤال أن يكون الأمر تقاسم أدوار بين الإصلاحيين والمحافظين في طهران، ويقول: "هذا هو جوهر موقف الإصلاحيين في كل حكوماتهم السابقة. وثمة من لا يزال يذكر الصدى المدوّي لتصريح أدلى به وزير الخارجية في حكومة الرئيس روحاني عندما اتّهم مباشرة الحرس الثوري بأنه يعرقل الجهود الديبلوماسية لحكومته. وكان ذلك بعيد اغتيال القائد في الحرس الثوري قاسم سليماني".
ويخلص إلى الاستنتاج أن "المهمّ هو ما عند الإدارة الأميركية المقبلة لتقدمه للإصلاحيين في طهران، والموقف النهائي للمرشد الإيراني الذي له كما هو معلوم القول الفصل".
ويقدم الباحث في الشأن الإيراني الدكتور حسن فحص تفسيرا مباشرا للأمر إذ يقول: "إن الموقف الإيراني بلسان بزكشيان هو تعبير صريح عن رغبة طهران حاليا في عدم الانجرار إلى الحرب، مع مضيها في تقديم الدعم المعهود للحزب والحلفاء. وفي تقديري أن الإيرانيين سيبقون مصرين على هذا الموقف ما دام الحزب قادرا بإمكاناته الحالية على المواجهة وإدارة المعركة. أما إذا استشعروا بأي تغيير أو خطر على الحزب فسيبادرون إلى رفع سقف تدخلهم لأنه عندها تسقط الحسابات الإقليمية ويبرز دور الحسابات الوجودية".
ويختم بأن "موقف بزكشيان هو تأكيد لموقف طهران المطلق سابقا، وفحواه أنها حذرة جدا من الوقوع في فخ نتنياهو الذي يريد جرها إلى مواجهة مباشرة يكون فيها الأميركيون طرفا معه".