من الصحف

"شجرة سلامة" غطت كثيرين... فهل يكون ضحية كل الارتكابات؟

الاحداث- كتب رضوان عقيل في صحيفة النهار يقول:"طغى مثول الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة أمام القضاء، على الملفات الأمنية والسياسية رغم كل أخطارها، ولا سيما الإسرائيلية منها. وباتت قضيته الحديث الأول في الصالونات السياسية والمصرفية والمقار الدينية، وصولا إلى كل اللبنانيين الذين لا ينفكون يسألون عن مصير #ودائعهم في ال#مصارف، ولو كانت التحقيقات مع سلامة تتناول ملفا لا علاقة له بالودائع المنسية في غياهب المصارف والذمم السياسية.

وفي خضم ملف سلامة ومتابعة مقاربة قاضي التحقيق الأول في بيروت بلال حلاوي القضية وما ستنتهي إليه مع رجل تصدر الواجهتين المالية والسياسية في البلد طوال ثلاثة عقود، تعود إلى الأذهان من أرشيف أخبار الرؤساء والزعامات ورؤساء الكتل النيابية، إشادات بحكمة الحاكم وحفاظه على ثبات سعر الليرة أمام الدولار!

وللأمانة، قلة من النواب والاقتصاديين كانت قد حذرت مبكرا من سياسات سلامة والهندسات المالية التي تمت من دون إكراه وبموافقة الحكومات المتعاقبة ومن تمثل في صفوفها وأيد التمديد له.

ويتساءل اللبنانيون اليوم: هل تخلت الطبقة السياسية عن سلامة وحولته "كبش فداء" عن كل هذا المسلسل من حلقات التخبط المالي والاقتصادي الذي أسقط الهيكل على الجميع؟ أين الرؤوس التي دافعت عنه بالأمس وبلعت ألسنتها اليوم في مشهد لم يعد ينطلي على المواطنين الذين لم يصدقوا ولم يقتنعوا بأن كل ارتدادات الزلازل المالي الذي ضرب البلد، تنتهي بفتح القضاء ملف 42 مليون دولار أميركي يتم سؤال سلامة عنها وكيف حولها إلى حسابه الخاص؟ في أي حال، هذا الأمر سيثبته القضاء أو ينفيه، وهو اليوم يجتاز أصعب امتحان في تحقيقات مالية تتجاوز بأشواط ما حصل إبان قضية بنك "انترا" الشهيرة. وإذا كان الرقم الذي تدور حوله التحقيقات هو 42 مليون دولار، فإن الرقم الحقيقي هو 121 مليون دولار تحت مسمى "حسابات الاستشارات" أو بالأحرى "النفقات السرية" المتعارف عليها لدى قادة الأجهزة الأمنية.

وتفيد مصادر مواكبة أن مبالغ أكبر من ذلك قد استفاد من مغانمها سياسيون كثيرون. صحيح أن جهات سياسية غسلت يديها من "ارتكابات سلامة"، وهي ممثلة في آخر الحكومات وتحاول إظهار نفسها أنها أول من تصدت له وحذرت من دوره، لكن ثمة من يرد عليها بأنها كانت شريكة وشاهدة على كل ما كان يدور في رحاب المجلس المركزي لمصرف لبنان، ولم تكن بعيدة من "مغاور" أكثر من مصرف.

والحال أن ثمة سياسيين وأحزابا أوعزوا إلى أعضاء مجالس إدارة في أكثر من مصرف بمغادرة البلد أو البقاء في الخارج ريثما تنجلي وجهة التحقيقات المفتوحة مع سلامة.
وقد زار محام مرجعا كبيرا في اليومين الأخيرين معلنا استعداده للمثول أمام القضاء والإدلاء بكل ما يعرف "شرط ألا يتم توقيفي وإيداعي السجن". ولم يتلقّ من المرجع أي إجابة تحمل إليه الاطمئنان.

ومن جانب المؤيدين لمحاكمة سلامة، فإن لبنانيين كثرا ومودعين عربا وأجانب لا يكترثون لقضيته، على أهميتها، لأن عيونهم وقلوبهم تسأل عن مصير الـ 100 مليار دولار التي تبخرت في أكبر فوضى مالية لا يتحمل مسؤوليتها سلامة وحده. هذا الكلام يدور في أوساط مسيحية وخصوصا في بكركي التي تقول إنها لا تعارض القضاء في التحقيق مع سلامة في الملف المطروح الآن، على أن يأخذ كامل صلاحياته ويؤدي الدور المطلوب منه إلى النهاية "شرط ألا تطاول سلامة قضايا أخرى كانت السلطات السياسية الرئاسية والحكومية والحزبية، مسيحية وإسلامية، مسؤولة عن كل الخيارات والقرارات التي اتخذها مصرف لبنان في شأنها، بموافقة الحكومات المتعاقبة والتي لم تلق معارضة في البرلمان".

هذه الرسالة وصلت بالبريد السريع في الأيام الاخيرة إلى قضاة، فضلا عن الرئيسين نجيب ميقاتي ونبيه بري اللذين يرددان أنهما لا يتدخلان في مجريات التحقيقات. وتقول المصادر الكنسية هنا إن ما يرفض اتخاذه الحاكم بالإنابة وسيم منصوري، اتخذه الحاكم السابق بموافقات من السلطتين التنفيذية والتشريعية ومن نواب الحاكم المتعاقبين، فضلا عن جهات قضائية كبيرة في الدولة كانت على تماس مباشر مع سلامة وشاهدة على القرارات.
وتطلق هذه المصادر رسالة تحذيرية: "لا تحمّلوا سلامة كل مصائب البلد ليكون كبش فداء، في مقابل تبرئة كل من تعاقب على الطبقة السياسية من عام 1992 إلى اليوم".

وفي زحمة الضغوط الملقاة على القضاء ومطالبته بكشف كل ما في حوزته، ثمة من يتوقع أن الأحكام النهائية القضائية قد تصب في مصلحة سلامة، فيخرج بإثباتات أن الأموال التي حولها لحسابه بواسطة مساعدين من محامين ومصرفيين لا غبار عليها، مع التذكير بأن نوابا ووزراء وقضاة وعسكريين قد استفادوا من "جنة القروض الفلكية". ويتحسس هؤلاء رقابهم خشية افتضاح أمرهم أمام اللبنانيين، علما أن محظيين تمكنوا من تحويل مبالغ كبيرة في الأيام ال 15 الشهيرة التي أقفلت فيها المصارف أبوابها في متتصف تشرين الأول 2019.

وثمة من يأمل أن يكون سلامة الضحية التي تقدم على المذبح المالي. ولا مانع إذا اضطر الأمر إلى تقديم ضحايا أخرى، شرط عدم المس بـ"الحيتان الكبار" وحلقاتها الضيقة التي التهمت بطونها ثروات المواطنين المعذبين، في وقت يعتقد فيه كثيرون من المعنيين، سياسيين وقضاة، أن لفلفة الملفات صناعة لبنانية، مع توقف كثر عند سحر "العقوبات الأميركية" 
.
مشكلة سلامة ومقتله، الوعود التي راودته منذ أوائل التسعينيات بأنه من خلال موقعه على رأس "مملكة" مصرف لبنان، سيتربع على الكرسي الأول في سدة رئاسة الجمهورية، علما أن من لم يعده بتحقيق هذا الحلم من أصحاب القرار والشأن في البلد لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين.