فلسطين ولبنان يترقّبان جبهة إسرائيل و"مغامرة" نتنياهو المقبلة
الاحداث- كتب منير الربيع في صحيفة المدن الالكترونية يقول:"يأخذ الوضع الإسرائيلي الداخلي بعداً أكثر تأزماً. حجم التظاهرات الضاغطة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومطالبته بإبرام صفقة لإنقاذ الأسرى، ليس مسبوقاً. الإضراب الذي نفذّته النقابات العمّالية خطوة جديّة على طريق تهديد الحكومة. وهذا ما يعزز حجم الانقسام الداخلي واهتزازت الجبهة السياسية. استمرار هذا النوع من الضغط قد يسهم في رسم نقطة تحول بالمسار السياسي والعسكري الإسرائيلي، لكنه يحتاج إلى التراكم أكثر. في المقابل، لا بد من توقع ما يمكن أن تقدم عليه الحكومة اليمينية في إسرائيل، من خلال اللجوء إلى تصعيد الحرب ولا سيما في الضفة الغربية، للالتفاف على المشاكل الداخلية ومجانبة المزيد من الضغوط. وفي هذا السياق، جاء تصريح وزيرة المستوطنات لإعلان حالة الحرب مع الضفة.
ما بعد الحرب
ولكن بمعزل عن كل الصراع السياسي الداخلي في إسرائيل حول استمرار الحرب أو وقفها والاتجاه نحو صفقة، إلا أن ما يجري لا بد له أن يؤسس إلى متغيرات كبيرة في المرحلة المقبلة على كيان هذه الدولة، والصراعات المفتوحة ما بين أقصى اليمين، واليمين الوسط، وحتى العلمانيين أو اليسار الإسرائيلي، الذي يبحث عن فرصة لاستعادة ظهوره وحضوره وتأثيره. شيء ما من هذا القبيل لا بد أن يكون له انعكاساته على الوضعين الفلسطيني واللبناني. خصوصاً أن كل الأنظار تتجه إلى مرحلة ما بعد الحرب.
لا بد لتلك المرحلة أن تشهد متغيرات أساسية واستراتيجية داخل كل مجتمع وكل دولة. وهو ما يعلمه الفلسطينيون جيداً ويحاولون العمل على رسم بعض ملامحه على الرغم من تداخلات إقليمية ودولية كثيرة، إلا أن هناك إجماعاً بين مختلف القوى والفصائل والتنظيمات حول إعادة خلق إطار سياسي جامع. وهو ما بدأ في مفاوضات بكين، أو مفاوضات القاهرة. أو البحث في ترتيب العلاقات البينية بين حركتي حماس وفتح، بالإضافة إلى الحدث الذي يتجدد فترة بعد فترة حول إعادة هيكلة السلطة الفلسطينية، وانضمام المزيد من الفصائل إلى إطار منظمة التحرير الفلسطينية.
حماسة "الحزب"
لبنان في كينونيته السياسية، ليس بعيداً عن هذه التداعيات أيضاً، وهو المنخرط بحرب الإسناد، وسط حماسة من قبل حزب الله لأسباب متعددة، بعضها ما يعتبره الموقف الأخلاقي والمبدئي إلى جانب حركة حماس. وبعضها الآخر يرتبط بقناعة راسخة لدى الحزب بأن ما يجري هو عملية لإعادة رسم الخرائط في المنطقة، وتحديد مواطن النفوذ والاتجاهات، وبالتالي لا يمكنه أن ينأى بنفسه عن المشاركة فيها، كاستعادة لانخراط الحزب في حروب سابقة، منها التدخل في سوريا، أو العراق أو اليمن في إطار مشاركته برسم تلك الملامح.
هنا يلقى الحزب تأييداً من جهات، ومعارضة من جهات أخرى، تطرح أيضاً مسألة اليوم التالي للحرب على المستوى السياسي في الداخل، وبما يتعلق ببنية الدولة وكيفية إعادة انتاج السلطة فيها، ولو اقتضى ذلك البحث في تعديل الدستور.
مستقبل السلاح
كما أن مسألة اليوم التالي لا تغيب عن مسار ومصير جبهة الجنوب وسلاح الحزب وكيفية عودة لبنان للانضواء ضمن تسوية إقليمية دولية، هي التي يفترض بها أن توفر الاستقرار وترعاه وتسمح بإطالة أمده. حزب الله يعلم بكل ذلك، وهو بالتأكيد يعمل على وضع تصوراته التي من عادته يضعها في إطار مرحلي. بمعنى أن الظرف الآن هو للميدان، مع توفير الحماية للحد الأقصى من الترسانة العسكرية، طالما أنه لم يحن موعد استخدامها بعد. وهو ما قال الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله حول حماية الصواريخ البالستية والدقيقة. يليها آلية التفكير في واقع الجنوب بمرحلة ما بعد الحرب ووقف إطلاق النار، ورسم ملامح إعادة الجنوبيين إلى مناطقهم وكيفية إعادة الإعمار. وهو ما سيحتاج إلى إعادة انخراط حزب الله والدولة اللبنانية مع المنظومة الإقليمية والدولية.
هنا التحدّي الأساسي الذي سيواجهه حزب الله مستقبلاً، وهو ما يعمل على تحضير أرضيته حالياً، في مقابل ما يعتبره خصوم الحزب بأن المجتمعين العربي والدولي لن يوافقا على رسم مستقبل لبنان بالتفاوض مع الحزب، ولا بالاستناد إلى ما يريده الحزب كنوع من الاستثمار في نتائج الحرب لصالحه. حتى الآن وفي حال بقيت الوقائع العسكرية على حالها، لا يزال حزب الله يعتبر نفسه أنه في مأمن، وأن أي اتفاق أو تسوية ستحصل معه لا مع أحد غيره. وهو يعلم حجم المحاولات الدولية والإقليمية الضاغطة عليه وعلى لبنانيين آخرين، بهدف إضعاف موقفه السياسي.
القلق والترقب
في هذه الصورة أيضاً، هناك صدى لما يشهده الداخل الإسرائيلي، لا سيما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتهم الإدارة الأميركية بالضغط عليه والتلاعب بوضعه الداخلي، إنطلاقاً من العلاقة مع جهات سياسية متعددة تعارضه. وذلك إما بهدف إسقاطه وإما بهدف الضغط عليه لوقف الحرب. بينما في المقابل هناك اتهامات من قبل الإدارة الأميركية توجّه إلى نتنياهو، بأنه هو الذي يحاول التدخل بالشأن الداخلي الأميركي من بوابة الانتخابات، وهو الذي يسعى إلى توفير فرص نجاح دونالد ترامب بدلاً من كاميلا هاريس.
أمام كل هذه الوقائع، وفي ظل حالة الانتظار التي يمكنها أن تطول، لا يزال القلق قائماً لدى جهات لبنانية وغير لبنانية من الاحتمالات التي قد يقدم عليها نتنياهو، إما للضغط على الأميركيين واستدراجهم أكثر، وإما للالتفاف على أي أزمة سياسية داخلية أو ضغط جدّي يسهم في إضعاف موقفه أو يهدد حكومته. وذاك القلق يرتبط بفكرة تقليدية وقديمة تجاه إسرائيل التي تسعى إلى افتعال الحروب وتوسيعها للتخلص من الأزمات الداخلية أو الالتفاف عليها.
مراقبة مسار نتنياهو في رفض الصفقة، وتعطيل مساعي وقف إطلاق النار، واستهداف العاصمة الإيرانية طهران، واستهداف الضاحية الجنوبية لبيروت تبقي احتمال لجوئه إلى أي عملية مشابهة، قد تسهم في إعادة التصعيد إلى المنطقة ككل، قائماً. لا سيما أن هناك محاولات كثيرة في إسرائيل تشكل عناصر ضغط على نتنياهو لدفعه إلى توجيه ضربات ضد مواقع أو مخازن أساسية واستراتيجية لحزب الله، بالإضافة إلى استئناف عمليات الاغتيال.