من الصحف

أيّ رهان لدى باسيل يطمئنه حيال الخارجين من "التيار"؟

الاحداث- كتب ابراهيم بيرم في صحيفة النهار يقول:"فيما كانت تروج معلومات عن اعتزام النواب الأربعة المبعدين لتوّهم من "#التيار الوطني الحر" وكتلته النيابية أو الذين استقالوا طوعا أخيرا، الشروع في حراك سياسي مستقل، كان رئيس التيار النائب #جبران باسيل يطلق من #زحلة، إحدى محطات جولة له في البقاع الأوسط، موقفا مؤداه أمران:

- توصية "أخلاقية" لقاعدة التيار تحرّم عليها "أي مساس بالسوء بأي نائب صار خارج إطار التيار.
- التيار هو بمثابة "الغطاء الكبير، والخارجون منه سيصابون بـ"البرد" لكونهم صاروا بلا أي دثار يقيهم غائلة الشتاء. ويذهب باسيل بعيدا في التقليل من قدرات الخارجين طردا أو طوعا، فيقول "إن الأشخاص من دون التيار يتوقفون عند طموحهم الشخصي ليس إلا".

ليس معلوما ما إذا كلام أطلقه باسيل بمثابة رد أولي استباقي على الحراك الذي يعتزم النواب الأربعة الشروع فيه بعد خروجهم من رحم التيار في أكبر عملية نزوح سياسي- نيابي شهدها تنظيم سياسي لبناني، أم أن باسيل كان مضطرا إلى أن يقول رأيا فصلا أمام قاعدته الزحلية حيال مستقبل تنظيمه، إذ لا يمكنه أن يتجاهل تطورا وحدثا على هذا القدر من الأهمية وبهذا الحجم من الدلالات السياسية الحاضرة والمستقبلية. لكن الراصدين لمآلات الوضع المستجد في التيار السياسي الذي نجح قبل نحو عقدين في أن يحظى بأعلى نسبة من أصوات الناخبين المسيحيين خصوصا في أقضية الجبل (فوق السبعين في المئة من هذه الأصوات) يخرجون باستنتاج فحواه أن باسيل يسعى من خلال هذا الكلام إلى إثبات أمرين: 

الأول الظهور أنه ما انفك صاحب المبادرة في إطاره السياسي وأنه قادر على الحراك.
الثاني أن في مقدوره إطلاق قفاز التحدي في وجه الذين تجرأ على إبعادهم، على رغم محورية دورهم وموقعهم، أو أولئك الذين اختاروا من تلقائهم الالتحاق بالمبعدين بعدما تقدموا بدفوعات معللة عن القرار الذي اتخذوه عن سابق تصور ووعي.

لا ريب في أن باسيل وسواه من المعنيين يدركون أن ما شهده تياره أخيرا ليس أمرا هامشيا سيطويه الزمن، إذ إن عديد القيادات والكوادر الذين "نزفهم" التيار، وآخرهم النواب الأربعة، أو الذين آثروا الابتعاد من الصراعات والتجاذبات الداخلية أو الاحتجاج على قضايا معينة، يكاد يوازي عديد المتبقين في دائرة الالتزام. وجذور النزوح الجماعي من التيار تعود إلى الفترة الأولى التي عاد فيها المؤسس العماد #ميشال عون من منفاه الباريسي الطويل بعد أقل من ثلاثة شهور على الحادث المدوي المتمثل باغتيال الرئيس #رفيق الحريري وما أعقب ذلك من انفراط عقد منظومة الحكم التي ولدت في رحم حقبة الوصاية السورية، وتربّت في كنفها.

ولقد كان النزوح الأولي متواضعا وخجولا، ثم ما لبث أن صار لاحقا أكثر جرأة وربما عدوانية، وتمثل أكثر ما يكون بموجة النازحين اعتراضا على الانعطافة السياسية الحادة للتيار والتي تمثلت بنسجه تفاهما مع "حزب الله " سمي لاحقا بمكان إعلانه، وهو كنيسة مار مخايل في الشياح. 

أهمية ما جرى يومها أنه لم يكن نزوحا اعتراضيا على خلل تنظيمي داخلي، بل هو اعتراض على خيار سياسي أقره التيار بدا في حينه بالغ الجرأة. ومع ذلك غطى دوي الحدث الكبير حينها على حركة الاعتراض فوئدت في مهدها.

وتمثل الحدث الأكثر دويا في هذا السياق بخروج جماعي وقع قبل نحو 6 أعوام من جانب ما سموا يومذاك "النخب الشبابية المناضلة والواعدة" بقيادة زياد عبس، وآخرين من ميزتهم أنهم نذروا أنفسهم للتيار واعتبروه قضيتهم الأساسية، فضلا عن أن الجميع يشهد على اندفاعهم وتفانيهم وإيثارهم.

ومع ذلك كان في إمكان قيادة التيار يومذاك أن تستوعب تلك الصدمة وتجعلها حدثا هامشيا، فالتيار كان ما زال قويا ومتماسكا وفي حال صعود سياسي نحو سدة الرئاسة الأولى، مستندا إلى تحالفه مع الحزب. كما أن المبعدين لم يقدموا خطابا سياسيا ودفاعات مقنعة، إلا أنهم جيل الشباب الباحث عن دور وموقع متقدم له كجزء من سعي مشروع لوراثة التنظيم.

في كل الأحوال، ثمة من الأدلة ما يثبت أن كل تجارب الخروج المتتالية من التيار جذبت في بداياتها أضواء لكنها ما لبثت أن وهنت. وعليه، فإن هذا "الاطمئنان" الذي يبديه باسيل وفي لهجة تحد، يأتي بفعل رهانه على عجز الخارجين من التيار عن التحول إلى " قوة سياسية" متجذرة تثبت حضورها في المشهد السياسي، وهو بذا يسند ظهره إلى أمرين:
الأول أن كل حالات الخروج من تنظيمات سياسية لم تستطع يوما ما أن تصير بديلا أو قوة رديفة تنافس التنظيم الأساسي.
الثاني أن تجارب الخروج من التيار ليست جديدة، فتجربة اللواء عصام أبو جمرا كانت نموذج الإخفاق الأول، إذ وجدت حركته الانشقاقية في بداياتها أحضانا دافئة لكنها سرعان ما آلت إلى العتمة والظل.

وفي أوساط قريبة من التيار من يقدم برهانا على عجز الخارجين عن تحويل أنفسهم إلى قوة سياسية موحدة، بدليل أن هناك أكثر من 5 حالات انشقاقية من التيار عجزت عن الظهور يوما في لقاء واحد يجمعها، كما أخفقت في تقديم برنامج سياسي معقول ويشكل عنصر جذب.

وثمة ولا ريب من يطرح السؤال على نحو آخر، وهو أن وضع النواب الأربعة الذين على وشك البدء بتحركهم مختلف عن وضع من سبقهم في الخروج من التيار، إن لجهة الدور أو التاريخ أو الصدقية، فضلا عن علاقاتهم الجيدة بقوى أخرى وازنة.

عن هذا الرأي تجيب المصادر إياها: "نحن لا ننكر الاعتبارات التي يتمتع بها هؤلاء، فهم ليسوا نكرة، ويبدون على درجة من الانسجام، ولكن أقصى ما يمكن أن يبلغوه هو القدرة على إطلاق تيار أو تجمع مستقل تمهيدا للمشاركة في الانتخابات المقبلة عبر تحالفات معينة، ولكن ذلك لا يمنحهم حق الزعم أنهم حركة تصحيحية تخولهم النطق بلسان التيار، فمثل هذا الادعاء له محاذيره الكبرى.

وإلى جانب هذا الكلام الذي يسري في نسيج التيار، ثمة انطباع آخر ناجم عن أن الساحة السياسية المسيحية لا تستقبل الوافدين الجدد إليها بسلاسة ولا تتفاعل معهم بيسر، إذ إن لها شروطا خاصة صعبة جدا.