هل بات حزب الله «مدير ناحية» المنطقة؟
الاحداث- كتب نقولا ناصيف في صحيفة الاخبار يقول:"مع ان الاوان مبكر ـ وربما كثيراً ـ على العودة الى تطبيق القرار 1701، رامَ التمديد الاخير للقوة الدولية في الجنوب سنة جديدة تأكيد استمرار المجتمع الدولي التعويل عليه. تمسكه به يختلف بكليته عما في خاطريْ طرفيْه المعنيين وهما حزب الله واسرائيل
ليس تمسّك حزب الله واسرائيل بالقرار 1701 الا لانه البديل من الحرب بينهما. مع ذلك فإن هذه هي الدائرة الآن وان من ضمن قواعد اشتباك يتبادلان احترامها، وفي الوقت نفسه تعليق القرار الى اشعار آخر. مرور تمديد انتداب القوة الدولية بالغطاء الدولي المعطى له لا يحجب اهمية موازية باتت ملحة اخيراً منذ حرب غزة واستطراداً فتح جبهة الجنوب: ماذا يريد حزب الله واسرائيل في القرار 1701 من الآن فصاعداً؟السؤال الفعلي المكمّل هو: هل لا يزال قرار مجلس الامن قابلاً للحياة؟
ما يلتقي طرفاه عليه تبريراً للحاجة اليه انه القرار الوحيد الموجود بالاجماع الآن، كما عند التصويت عليه عام 2006، محافظاً على الصفة الاستثنائية هذه رغم تقلّب احداث المنطقة وتفرُّق اصحاب الفيتو بعضهم عن بعض في اكثر من ملف اقليمي ودولي. تالياً لا قرار اممياً سواه، كما يصعب الاتيان بمثله بافضل منه في ظل الانقسامات الدولية الحالية وتبعاً لذلك توفير اجماع مماثل. هو في نظر المجتمع الدولي الاداة الوحيدة لضمان استقرار الحدود اللبنانية ـ الاسرائيلية. للقرار اهمية اخرى يلتقيان عليها، انه ناظم حال العداء بين حزب الله واسرائيل مرسياً قواعد اشتباك بينهما اثبتت فاعليتها قبل حرب غزة، طوال اكثر من عقد ونصف عقد من الزمن بعد صدوره. اظهر جدواه وجديته ايضاً في خلال حرب غزة بمنع انزلاقهما الى حرب واسعة. ذلك ما تعبّر عنه بوضوح هجمات واعمال امنية موجعة مزعزعة للهيبة. مع ذلك يتلقفانها ويكتفيان على الاثر بتبادل كرات نار ليس الا.
بيد ان الاجماع الدولي على القرار 1701 اضحى غير كاف لديمومته في ظل احداث تجاوزت لحظته الأم عندما صادق عليه مجلس الامن قبل 18 عاماً:
1 ـ لحزب الله شرطاه لاعادة الروح اليه. اولهما التوقيت الذي حدده هو له وهو وقف النار النهائي في غزة، وثانيهما الضمانات التي يريدها من الوسيط الاميركي حيال تنفيذ القرار لكن كذلك بازاء ما هو ابعد منه. بينها ما يرتبط باسرائيل، لكن بعضاً آخر منها لا يعني الدولة العبرية مقدار ما يعني الاستقرار الداخلي في لبنان واستحقاقات هذا البلد. ذلك ما تعكسه المخاوف والهواجس المدلاة من خصوم الحزب اللبنانيين واعدائه. المهم في ما اضافته جبهة الجنوب، ربطها من الآن فصاعداً قرار مجلس الامن بالصراع مع اسرائيل حيث يقع، وليس في لبنان فحسب.
فتح جبهة الجنوب تحوّل دخيل على القرار 1701
2 ـ اوجد فتح جبهة الجنوب واقعاً طارئاً دخيلاً على القرار 1701 لم يرعه وضعه عام 2006. كان نجم حينذاك عن حرب تموز ودخول اسرائيل اراضي لبنانية وانسحابها منها من ثم في مقابل ثمن كان على حزب الله التسليم به: خروج مقاتليه من جنوب نهر الليطاني الى شماله كي تحل محله القوة الدولية المعززة والجيش اللبناني. ما طرأ في حرب غزة ان حزب الله لم يعد كما في حرب تموز يدافع عن نفسه، بل اضحى في موقع الهجوم الى داخل الدولة العبرية بترسانة اسلحته ومسيّراته. ادخل شمال اسرائيل للمرة الاولى في تاريخها في لعبة المساومة على استقرارها وامنها ما ان تسبب بتهجير آلاف المستوطنين. ساوى بذلك بين امن الداخل اللبناني وامن الداخل الاسرائيلي. هي المعضلة الجديدة غير المسبوقة تواجهها الدولة العبرية بأن بات عليها الدفاع عن نفسها من «الاعتداء» عليها لا الاكتفاء بالاعتداء على لبنان وتاريخياً على الدول العربية المجاورة لها. افضى الامر الواقع الحالي الى الحؤول دون ما اعتادت اسرائيل استسهاله وهو مهاجمة لبنان ودخول اراضيه. ذلك مغزى ان الحرب الواسعة إما يتهيبانها لكلفتها عليهما معاً دونما ان تكون متساوية، وإما لأنهما لا يريدان الذهاب الى ابعد مما يجري الآن. بفضل «طوفان الاقصى» وتداعياته الاولى بفتح جبهة الجنوب، بات على القرار 1701 استيعاب التحولات الجديدة في نزاع حزب الله ـ اسرائيل. فيه قليل من التوازن ويفتقر الى كثير من التكافؤ بينهما، لكنه ليس قليل التأثير على كليهما.
3 ـ بينما عزا حزب الله في حرب تموز انتصاره الى صموده ومنع تدميره، وهو ما لم يوافقه على اجتهاده هذا افرقاء لبنانيون، يخرج من حرب غزة ما ان تضع اوزارها يوماً ما على انه يثبّت معادلة انه صار قوة اقليمية قبالة اسرائيل يُحسَب لها حساب. لم يعد الهدف الواقعي تصفيته والغاءه على نحو ما كان قبلاً، مقدار ابعاده الى اقصى مسافة من الحدود اللبنانية ـ الاسرائيلية وتجنيب تعريضه شمال اسرائيل للفوضى وعدم الاستقرار. ما انتهت اليه دروس حرب الجنوب انه بات يملك مبادرة إلحاق الضرر بسكان الشمال وتهديدهم في اي وقت بمنعهم من البقاء حيث هم. ليست قليلة خسائره البشرية ولا استهداف بناه العسكرية وترسانته. مع ذلك، كما في حرب تموز، يتصرّف في نهاية المطاف على انه انتصر وكرّس امراً واقعاً جديداً حيال اسرائيل.
4 ـ سواء جلس الى طاولة الكبار من خلال ايران او لم يجلس في أوان تسوية حرب غزة، بات جزءاً لا يتجزأ من هذه. مع ان حماس هي الطرف المفترض انها المعني بالتسوية، الا ان المرجعية التي صار يمثلها حزب الله لديها والتصاقها به ودور الإشغال المكلف الذي يضطلع به، يجعل منه معنياً ـ كما هي ـ بما بعد وقف النار في القطاع. ابسط الظن ان حماس لن توافق على ما لا يقبل به لها، وهو لن يجاري ما يعتقد انها سترفضه. في سبيل ذلك، مكرّساً شراكته معها، رفض اطفاء جبهة الجنوب مع كل الدمار والتهجير الذي يواجهه والكلفة البشرية الموازية الى ما بعد اطفاء نيران غزة. ليس خافياً انه يواجه كقوة اقليمية بظهير ايراني. ما يصلح وصف حزب الله به انه ـ بتعبير جبل لبنان القديم ـ صار اخيراً «مدير ناحية» المنطقة نيابة عن الجمهورية الاسلامية.