من الصحف

"الحزب" وإسرائيل: حرب موزّعة على جولات متوازنة عسكرياً وديبلوماسياً

الاحداث- كتب منير الربيع في صحيفة المدن الالكترونية يقول:"إنها الحرب المحسوبة والمدروسة بعناية. موزّعة على جولات. ليس فيها ما يشير إلى انفجارها أو شموليتها. تبقى في إطار قواعد متحركة للجبهات، بغض النظر عن النتائج أو الإصابات أو التأثيرات. جانب أساسي من هذه الحرب يبدو معنوياً ونفسياً أكثر مما هو عسكري. لا ينفي ذلك تصاعد وتيرة العمليات العسكرية، لكن بما يصبّ في الخانة المعنوية والنفسية. على مدى أسابيع، انتظرت المنطقة ردّ حزب الله على استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت. استنفرت إسرائيل بكل أجهزتها ووسائلها، فاختار الحزب التوقيت الذي يريده بأبعاده الدينية في أربعينية الإمام الحسين، والسياسية قبيل ساعات من جولة المفاوضات الحاسمة في القاهرة. وعسكرياً وفق ما لحظته حسابات الميدان. 
 

منذ 7 تشرين الأول

منذ الأيام الأولى لعملية طوفان الأقصى انخرط حزب الله بالمعركة بشكل مباشر. كان الهدف أيضاً معنوياً وعسكرياً. فالغاية هي مساندة غزة وحركة حماس ومنع هزيمتها. وبالتالي، كان هذا الجزء الأساسي من معنوية المعركة وأثرها النفسي، ولا يزال قائماً إلى اليوم. في موازاتها تدار المعركة بحسابات دقيقة جداً، بالمعنى العسكري والديبلوماسي. إذ لا سلوك يشير إلى استعداد الطرفين لتوسيع الحرب، باستثناء بعض التصرفات التي يقدم عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من خلال تعميق العمليات أو تكثيف الاغتيالات. ولكن ما إن يُقدم حتى يعود فيحجم، فيتعرض للكثير من الانتقادات في الداخل الإسرائيلي، بأنه لا يجرؤ على اتخاذ قرار بالتوسيع. 

أما ديبلوماسياً، فتبقى المواجهة بين حزب الله وإسرائيل خاضعة لضوابط أميركية بالتأكيد، خصوصاً أن الأميركيين هم الذين يكثفون الضغوط في سبيل ضبط المواجهات ومنع انفلاتها أو تحولها إلى حرب كبرى، مع تكثيف للضغوط على تل أبيب، من أجل دفعها إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة. وهو ما تتضارب بشأنه القراءات والتقديرات. لا سيما أنه بعد ردّ الحزب على استهداف الضاحية، ووصول معلومات إلى بيروت بأن اسرائيل قابلة لابتلاع هذه الضربة، أو طي هذه الجولة والعودة إلى القواعد السابقة، فذلك يعني استبعاد اندلاع الحرب الشاملة. وهو ما يعني استمرار الضغط لوقف النار في غزة وانسحاب ذلك على جبهة لبنان.
 

المساران العسكري والديبلوماسي

بالنسبة إلى حزب الله، وفق مصادره، فإن ردّه حقق الأهداف المبتغاة عسكرياً، أولاً استهدف الحزب محيط تل أبيب ليثبت معادلته حول استهداف الضاحية. ثانياً، نفذ رداً قوياً بغض النظر عن نتائجه، للقول إنه لا يمكن للإسرائيليين الاستمرار في استباحتهم للأجواء اللبنانية، واختيار التصعيد الذي يريدونه من دون ردّ. حتماً، المسار العسكري يوازيه أيضاً مسار ديبلوماسي غايته منع تفجر الأوضاع. وهذه أيضاً لعبة يجيدها الحزب في مسار المفاوضات. كذلك يعتبر حزب الله أن ردّه جاء بعد تعثّر المفاوضات حول وقف إطلاق النار في غزة. ولكن في المقابل، يمكن للردّ أن يكون عنصراً مساعداً في الضغط على الإسرائيليين لإجبارهم على القبول بوقف النار. 

وجهة النظر هذه، هناك من ينقضها بقراءة مختلفة لا سيما بالاستناد إلى رهانات أميركية إسرائيلية، تشير إلى أن حجم الردّ وفعاليته، يضعف من موقف حماس في المفاوضات باعتبار أن الحزب لا يريد فتح حرب واسعة للضغط على إسرائيل أكثر، وإجبارها على وقف الحرب، وبالتالي عدم استجابة الحزب للرسالة التي كانت وجهتها حماس الأسبوع الفائت حول ضرورة فتح الجبهات لـ"فتح باب خيبر" وبدء معركة زوال إسرائيل. وعليه، فلا تزال أميركا هي جزء أساسي من المعركة أو في إدارتها، من خلال العمل على ضبط الردود ومنع اتساع المواجهة.
 

بعض الخلاصات

ولكن في ضوء الردّ الذي نفذه الحزب لا بد من تسجيل بعض الخلاصات. أولها، أن حزب الله أراد القول للإسرائيليين بأنه يريد إبقاء الكلمة الأخيرة لديه، وبالتالي كل استهداف سيُرد عليه باستهداف مواز. 

ثانيها، بغض النظر عن وجود أو انعدام رغبة الإسرائيليين في توسيع الحرب والمواجهة مع لبنان، فإنه على الرغم من ادعاء الإسرائيليين بتنفيذ هجوم مسبق ضد الحزب وضد منصات إطلاق الصواريخ، لم يمنع ذلك الحزب من تنفيذ عملياته، وإطلاق الصواريخ والمسيرات إلى العمق الإسرائيلي. 

ثالثها، يبقى التحدّي الأكبر أمام إسرائيل، هو عجزها حتى الآن عن استعادة منظومة الردع التي تسمح لها في إعادة السكان إلى المستوطنات الشمالية، بنتيجة عدم القدرة على الحسم العسكري ضد الحزب. 

رابعها، إما أن تذهب إسرائيل، بعد وقف النار في غزة، إلى اتفاق سياسي وديبلوماسي برعاية دولية مع حزب الله، يحتفظ بها الحزب بكل قوته العسكرية، بما يتناقض مع كل الادعاءات الإسرائيلية حول إضعاف الحزب وتدمير قدراته.. أو أنها ستكون مضطّرة للدخول في معركة عسكرية كبرى وحرب طويلة لا أحد يعرف نهايتها ونتائجها، بهدف السعي إلى تغيير موازين القوى. علماً أن نتيجة ذلك لن تكون مضمونة.. أو أن تستمر حرب الاستنزاف وتنتقل من جولة إلى جولة بحدودها المضبوطة إلى فترة طويلة أيضاً، لا يمكن التنبؤ بنهاياتها.