اسرائيل و"حزب الله" في استنزاف: "إنهاك ولا حسم" بطبعة الـ67
الاحداث- كتب رضوان عقيل في صحيفة النهار يقول:"لا أحد يقلل من حجم المواجهات العسكرية المفتوحة بين إسرائيل و"#حزب الله" على مدار نحو 11 شهرا، ربطا ب#حرب غزة، مع متابعة حلقات عملية المفاوضات وما إذا كانت ستؤدي إلى هدنة أو وقف للنار، فيما تتجه الأنظار إلى جبهة الشمال وسط المواجهات المتبادلة من التهديدات، وخصوصا من جهة تل أبيب.
تظهر المعطيات على الأرض حتى الآن، أن الأمور تتجه إلى حرب استنزاف بين الطرفين، بدرجة أقل من المواجهة الشاملة، مع ترجيح ألا يقتصر شعاعها على لبنان وإسرائيل في حال وقوعها. وبات في الإمكان وصف ما يحصل بحرب الاستنزاف على غرار تجربة ما بعد حرب 1967 بين إسرائيل ومصر وسوريا والأردن، وصولا إلى عام 1970.
وبعد تصعيد إسرائيل ضرباتها التي بلغت نقاطا حساسة في البقاع عائدة إلى الحزب وفي قلب بيئته، جرى تجاوز "قواعد الاشتباك" على الحدود في الجنوب، وتخطت الضربات المتبادلة بين الجهتين هذه المساحة، وبنسبة أكبر من جهة إسرائيل التي تعمل قيادتها الاستخباراتية على عدم تجنب أي عملية اغتيال في أي بقعة لبنانية إذا كانت تستهدف قياديا عسكريا ناشطا في صفوف الحزب و"الجماعة الإسلامية" و"حماس" وغيرها.
ولا يبدو أن هذا الأسلوب من حرب الاستنزاف يتعارض مع أجندة بنيامين نتنياهو، ولو أن مجتمعه لا يتحمل هذه الارتدادات بسهولة. لكن الضريبة تبقى أقل من خوضه حربا كبرى لا تريدها أميركا، المنغمسة في انتخاباتها الرئاسية، رغم إحضارها هذا العدد من بوارجها وقطعها البحرية والآلاف من الجنود إلى المتوسط.
وثمة من يرى أن المقاربة الأخيرة من المواجهات لا تجلب أخطارا كبرى على إسرائيل ما دام جيشها لا يقترب من الحرب البرية، بل يدير عملياته بواسطة سلاح الجو والمسيرات وتوجيه الضربات من غرف عمليات محصنة. لذلك عمد في الأيام الأخيرة إلى توسيع شعاع ضرباته وأصبح يتعامل بالمنظار نفسه في عيتا الشعب الحدودية مع قرى بعلبك، لخلق كل هذه المساحة من القلق عند الحزب وبيئته.
وبات يمكن تل أبيب أن تعتبر أن عدوانها في غزة قد انتهى بغض النظر عن خاتمة المفاوضات في القاهرة برعاية أميركية وقطرية ومصرية. ويمكن حكومتها في هذا الحالة التقليل من درجة استنفار جيشها لإطلاق عجلة إنتاج الاقتصاد الذي يعاني الكثير بعد تمدد الشلل إلى أكثر من قطاع حيوي، مع التوقف عند تعطل الحياة اليومية في شمال المستوطنات بفعل تهديدات المقاومة.
في خضم كل هذه التطورات والعيش مع هذا نوع من الاستنزاف العسكري بين أفرقاء الصراع، يبرز السؤال عن إمكان تأقلم لبنان مع المواجهات وسط وجود أكثر من مئة ألف نازح من البلدات الحدودية الجنوبية، وهذا ما يرتب دورة حياة اقتصادية قاسية لدى كل هذه العائلات، ولا سيما مع اقتراب العام الدراسي، علما أن العيش وفق هذه المعادلة ليس سهلا على الطرفين.
وإذا كان الحزب يقوم بالردود العسكرية المدروسة والمضبوطة من دون تخطي الخطوط الحمر، فستخرج أصوات سياسية وحزبية لبنانية تحمله مسؤولية إذا وقعت الحرب الشاملة.
وتطرح هنا جملة من الهواجس عن كيفية امتصاص هذا الاستنزاف في وقت تتلقى فيه إسرائيل مليارات الدولارات من أميركا وبلدان غربية أخرى. كيف ستكون حالة لبنان بعد شلل موسم السياحة الصيفية وعزوف المغتربين ومن بينهم أعداد كبيرة من الشيعة؟
والحال أن مشهد الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا قد ينسحب على مواجهات إسرائيل والحزب وتأقلم كل منهما مع هذا الستاتيكو إلى حين حصول تسويات عسكرية أو ديبلوماسية بينهما. وقد تبقى حلقات الاستنزاف على هذا المنوال وتمتد فترة أطول على غرار ما حصل بين مصر وإسرائيل عام 1967 وانتهى بتدخل الأمم المتحدة برعاية أميركية وسوفياتية آنذاك، إلى أن انفجرت حرب 1973 التي انتهت بتسوية.
صحيح أن حرب الاستنزاف تناسب نتنياهو في هذا التوقيت وتجنبه المثول أمام القضاء، وهي أقل خطرا عليه من حرب شاملة، إلا أنه لا يمكنه الاستمرار بها طويلا بعد صدور نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني المقبل، حتى لو فاز الجمهوري دونالد ترامب في وجه مرشحة الديموقراطيين كمالا هاريس، مع الإشارة إلى أن الرئيس جو بايدن قد تأخر في لجم نتنياهو الذي أخذ يتصرف من موقع غير المكترث بكل ما يدور في الإدارة الأميركية، وهذا ما ظهرت بوادره بقوة بعد كلمته الأخيرة في الكونغرس، حيث لم يمانع في ابتزاز النواب والشيوخ من الحزبين، علما أن ترامب شجع نتنياهو على ارتكاب ما يشاء في غزة والمنطقة.
وبحسب معطيات ديبلوماسية فإن طهران ليس من مصلحتها شن حرب والوقوع في فخاخ نتنياهو لأن من مصلحتها فوز هاريس، باعتبار أن لعبة الإيرانيين تبقى أكبر من لعبة نتنياهو الذي سيكون في جبهة الخاسرين إذا حافظ الديموقراطيون على موقعهم في البيت الأبيض، وهو ما يصب في مصلحة إيران التي لا تدخل في مجازفة كبرى تهدد منشأتها النووية والنفطية مع احتفاظها بأوراق القوة التي تمتلكها.