رئاسة الجمهورية تعود إلى أجندة الأميركيين والفرنسيين
الاحداث- كتبت هيام القصيفي في صحيفة الاخبار تقول:"لم تغب رئاسة الجمهورية عن الكلام الأميركي والفرنسي الأخير الهادف إلى منع توسّع الحرب الإسرائيلية. لم يدخل الطرفان في الأسماء وفي التفاصيل، بل في ضرورة وجود رئيس قبل أي ترتيب مستقبلي
مع تفاقم الوضع العسكري جنوباً وسط التهديدات الإسرائيلية، انحسر الكلام عن رئاسة الجمهورية، ولم تعد من أولويات الخطاب السياسي الداخلي، خصوصاً بعد الكباش حول الحوار في مجلس النواب والشروط حوله. لكن، أخيراً، بعدما ارتفع منسوب التهديد بحرب واسعة، عاد موضوع رئاسة الجمهورية إلى الحضور في الكلام الأميركي والفرنسي الأخير تجاه لبنان، رغم أن العنوان الأساسي لحركة الموفدين الغربيين إلى لبنان تمحور بالدرجة الأولى حول منع توسّع الحرب الإسرائيلية وكبح مسار الردود المتبادلة بين إسرائيل وحزب الله.فخلال حركة الموفدين الاخيرة، قيل كلام واضح عن رئاسة الجمهورية من زاوية مستقبل الوضع اللبناني قياساً إلى الاحتمالات الموضوعة في أي ترتيب يمكن أن تنتهي إليه الاتصالات الجارية حول ملفات المنطقة بما فيها لبنان. ولم يدخل الكلام الغربي في التفاصيل حول الأسماء أو المرشحين من ذوي الحظوظ ولا في الحوارات المشروطة للتحضير لجلسة الانتخاب. ما قيل أشمل وأبعد مدى، لأنه يتعلق بمرحلة الترتيبات المفترض الوصول إليها عاجلاً أم آجلاً، والتي تتطلب في نهاية المطاف وجود رئيس للجمهورية. وهنا طرح السؤال حول الاحتمالات التي يواجهها لبنان في غياب رئيس الجمهورية، في حال حصلت «أعجوبة» ما في وقت قريب، وأسفرت عن الدخول في ترتيبات عملانية لمعالجة الوضع الجنوبي. والواقع أن هذا الكلام الحديث يذكّر بمراحل اتصالات فرنسية أيضاً صبّت في الاتجاه نفسه ووفق الوقائع إياها، حتى قبل 7 تشرين الأول وما حصل بعده من تطورات عسكرية. وهنا ينبغي التذكير بما حصل مع الترسيم البحري، الذي كان يتولاه رئيس مجلس النواب نبيه بري لسنوات، لكن خلاصة المفاوضات صبّت في نهاية المطاف عند رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بغضّ النظر عن كل ما أحيط بالملف لاحقاً.
ما يُحكى اليوم غربياً لا ينحصر بإعادة تفعيل القرار 1701، بل بترتيبات أمنية تتخطى القرار الدولي، لأن ثمة كلاماً لافتاً يتعلق برغبة لدى الأميركيين، واحتمال وجودها لدى حزب الله كذلك، بتخطي القرار في أي اتصالات تفضي إلى إعادة ترتيب الجنوب وفق معطيات جديدة. وهذا يفترض، بحسب المتحدّثين عن هذا الاحتمال، وجود رئيس للجمهورية، لأن حكومة تصريف الأعمال لا يمكن أن تتولى إدارة هذا التفاوض، ولا تستطيع حكماً إلزام أي رئيس مقبل للجمهورية وأي حكومة جديدة منبثقة عن مجلس النواب، بمفاعيل أي صفقة من هذا النوع. فضلاً عن أن صلاحيات تصريف الأعمال لا تخوّل الحكومة القيام بمثل هذه الترتيبات، ولو أن بعض القوى السياسية تغضّ الطرف عن قيامها بإدارة الاتصالات الخارجية من موقع حكومي ومن موقع الوسيط بين الخارج وحزب الله. لكن أي توقيع مستقبلي لن يكون إلا في يد رئيس الجمهورية. من هنا انطلق السؤال الغربي في اللقاءات الأخيرة في بيروت حول كيف يمكن الوصول إلى انتخاب رئيس للجمهورية لتقليل دائرة البحث عن الاحتمالات المطروحة في مراحل التفاوض، إذ إن الأفرقاء المعنيين سيكونون في لحظة مفصلية أمام هذا التحدي؟ واستطراداً كيف ترى القوى السياسية المعنية سبل إخراج التفاوض مع غياب رئيس للجمهورية، وإلى أي مدى أصبحت الحاجة ملحّة إلى توافق داخلي لهذا الانتخاب؟
ما يُحكى اليوم غربياً لا ينحصر بإعادة تفعيل القرار 1701 بل بترتيبات أمنية تتخطاه
ثمة ترجمة عملية لبنانية - غربية لهذا الكلام تتعلق بمصير رئاسة الجمهورية لجهة كيفية تعامل الثنائي الشيعي مع هذه الاحتمالات، إذ قد تكون من الضروريات اليوم مقاربة الثنائي لأهمية انتخاب رئيس للجمهورية في مرحلة التحديات وفق برمجة المعطيات الغربية التي تتعلق بتوقيع التسوية أو التفاهم المرتقب حيال الجنوب، وسط السؤال المركزي: إلى أي حد يفترض بالثنائي، بدل ترك الخلاف الداخلي الذي أصبح أكثر حدة بفعل تطورات الجنوب وانفلش إلى هذا الحد المتداول اليوم، الالتفات إلى رئاسة الجمهورية كممر إلزامي لإعادة تطبيع الوضع الداخلي مع القوى السياسية، والمسيحية منها في المقدمة؟ إلا إذا كان الثنائي على بيّنة أو توقّع أن لبنان وكذلك المنطقة مقبلان على متغيّرات كبرى، وتالياً يصبح موضوع رئيس الجمهورية تفصيلاً في تسويات كبرى ومتغيّرات جغرافية أكبر. وقد يكون الهامش ضيقاً بين الرؤيتين. وليست الحرب وحدها هي التي ستفصل بينهما، إذ حينها سيكون التسليم بأن لبنان أصبح جزءاً من «بازل» يعيد رسم المنطقة على أسس جديدة، ومن غير الضروري اليوم الدخول في متاهة الرئاسة من دون طائل.