وقائع الاتصالات الديبلوماسية لاحتواء الضربة ومنع الانفجار: استنفار "المحور"
الاحداث- كتب منير الربيع في صحيفة المدن الإلكترونية يقول:"كل محاولات ثني الإسرائيليين عن استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت لم تنجح. تجاوز الإسرائيليون كل تهديدات الحزب وتعهداته بالردّ على استهداف الضاحية بضربة مماثلة. علماً أنه كان قد رسم خطوطاً حمر للوسطاء لتجنّب التصعيد. ما يتسرّب في إسرائيل أن الضربة في الضاحية وعملية استهداف فؤاد شكر رئيس غرفة العمليات العسكرية في حزب الله هو قرار اتخذه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الأحد الفائت، وبعد عودته من واشنطن وبعد الإجتماع الأمني الذي عقده.
ضربة تستدعي رداً من قبل الحزب ولا بد من انتظاره. علماً أن الوساطات تنشط لثني الحزب عن التصعيد وتجنّب الحرب.
اتصالات هوكشتاين
ومنذ وقوع المجزرة في مجدل شمس التي أدت إلى مقتل 12 شخصاً، تسارعت وتيرة الاتصالات السياسية والديبلوماسية في سبيل احتواء التصعيد الذي قد تقدم عليه إسرائيل ضد حزب الله، بعدما أصرت على اتهامه بما جرى وتحميله المسؤولية. أول من تولى الاتصالات ومباشرتها كانت الولايات المتحدة الأميركية على أكثر من خطّ، أبرزها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، الذي تواصل مع المسؤولين اللبنانيين والإسرائيليين، بالإضافة إلى اتصالات أميركية أخرى أجريت بالإسرائيليين من قبل وزير الدفاع الأميركي ومسؤولين آخرين.
ليل السبت، أجرى هوكشتاين اتصالاً بوليد جنبلاط، أولاً للتعزية وثانياً لاحتواء الموقف. وقد أبلغ هوكشتاين جنبلاط بضرورة إقناع حزب الله بعدم التصعيد، ووقف العمليات، مهدداً بأن إسرائيل قد تقدم على عملية عسكرية واسعة ضد الحزب. لكن جنبلاط نصحه بأن لا ينقل مثل هذه الرسائل، والضغط على الإسرائيليين لوقف الحرب. تواصل هوكشتاين أيضاً مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي ومع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. كان الهدف من هذه الاتصالات هو خفض التصعيد. وقدم هوكشتاين عرضاً بشكل غير مباشر للحزب، بأن يوافق على الانسحاب العسكري من جنوب نهر الليطاني مقابل تجنّب الضربة. المقصود بالانسحاب العسكري هو سحب الأسلحة الثقيلة وليس انسحاب عناصر الحزب، فهم أبناء المناطق. لكن حزب الله رفض ذلك واشترط وقف الحرب في غزة للانتقال إلى البحث الجدّي في تطبيق القرار 1701.
رسالة الحزب
تركزت اتصالات هوكشتاين على مطالبة اللبنانيين بالحصول على ضمانة من حزب الله بعدم الردّ على الضربة الإسرائيلية. لكن حزب الله رفض ذلك بشكل كامل، وأوصل رسالة عبر كل الوسطاء بأنه سيردّ على الضرب بضربة موازية لها، لأنه لا يريد لإسرائيل أن تكرّس قواعد اشتباك من جهتها. وأبلغ الحزب المعنيين بأنه في حال تم استهداف منطقة مدنية فسيرد باستهداف منطقة مدنية داخل إسرائيل. وفي حال استهدفت بيروت أو الضاحية فهو سيستهدف تل أبيب أو محيطها، منطقة غوش دان. أما في حال تم استهداف مرفق عام كالمطار فسيرد باستهداف مطار في إسرائيل. وبحال تم اقتصار الردّ على ضرب أهداف عسكرية فسيرد بضرب أهداف عسكرية.
في هذا السياق، انتقلت المفاوضات الأميركية إلى مرحلة البحث عن احتواء الضربة وتجنب إسرائيل لضرب بيروت أو الضاحية الجنوبية، وحصر الخيار العسكري بضرب الجنوب والبقاع. لم يتلق لبنان جواباً رسمياً حول قبول إسرائيل بذلك، بينما حزب الله أصر على أنه سيردّ على الضربة.
اتفاق على خطوط حمر!
تراوحت الخيارات العسكرية بين تنفيذ عملية اغتيال، أو توجيه ضربة لمخزن صواريخ أو أسلحة استراتيجية لحزب الله في محيط منطقة سكنية. وذلك لإخافة اللبنانيين وجعلهم يهاجمون الحزب بسبب تخزين الأسلحة في مناطق مدنية. كما من الخيارات المطروحة هو تنفيذ عملية عبر أكثر من طائرة حربية، لاستهداف مواقع ومراكز في مناطق مختلفة بشكل موسع. في الموازاة كان الإسرائيليون يأخذون في الاعتبار كل احتمالات الردّ لدى حزب الله، وإمكانية أن تؤدي هذه الضربة إلى "أيام قتالية" من الضربات والضربات المضادة. في المقابل، تشير معطيات ديبلوماسية إلى أن إسرائيل أيضاً تأخرت بالردّ في إطار التحضير لهدف أساسي يمكنها استهدافه، ولا يؤدي إلى اندلاع حرب واسعة. ومن بين الخيارات، تم استعراض تنفيذ عملية اغتيال بحق شخصية أساسية وبارزة في حزب الله.
وتؤكد المعلومات الديبلوماسية الغربية أنه تم الاتفاق على الخطوط الحمر، وهي عدم استهداف بيروت، أو الضاحية أو المطار أو المرفأ. وسيكون الردّ مركزاً في الأطراف بين الجنوب والبقاع. بينما تريد إسرائيل أن تظهر صورة قوية لمفعول الردّ وفق حجم الضربة. في المقابل هناك من لا يزال يشير إلى عدم الثقة بالإسرائيليين، خصوصاً أن هناك عوامل داخلية في إسرائيل بفعل الأزمات والمشاكل وانعدام الثقة بين الوزراء والمسؤولين، قد تفرض نفسها على آلية الردّ، وتدفع نتنياهو للبحث عن تصعيد للالتفاف على المشاكل الداخلية. بقي حزب الله غير واثق بأن إسرائيل ستتجنب ضرب الضاحية، وهذا ما حصل.
حلفاء واشنطن
أما إجراءات شركات الطيران بإلغاء الرحلات إلى لبنان، فحسب المعلومات، لم تكن بسبب التخوف من استهداف مطار بيروت، بل تفادياً لحصول تصادم بين الطائرات الحربية الإسرائيلية والطائرات المدنية في الأجواء اللبنانية، ولعدم حصول أي خطأ في الحسابات فيصيب أي صاروخ إحدى الطائرات المدنية.
إلى جانب المساعي الأميركية، دخلت على الخط قوى عديدة من حلفاء واشنطن كالبريطانيين والألمان والإيطاليين والفرنسيين أيضاً. كل هؤلاء عملوا على إجراء اتصالات تحذيرية بالقوى اللبنانية لتجنب اندلاع صراع أوسع، وفي محاولة لمنع حزب الله من الردّ. إلا أن هذه المساعي لم تنجح. حزب الله لم يوافق على إعطاء جواب أو التزام بعدم الردّ على الردّ الإسرائيلي، وبالتالي فما انشغل به الأميركيون هو ترك الردود تحت سقف قواعد الاشتباك، لاحتواء المواجهة ومنع التصعيد وعدم تفلّت الأمور.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دخل على الخطّ أيضاً، فأجرى اتصالات مع الإسرائيليين في محاولة منه لمنع التصعيد، واتصل بالرئيس الإيراني مسعود بزشكيان للحثّ على التهدئة. وحسب المعلومات، فإن ماكرون طالب بزشكيان بالتدخل لإقناع حزب الله بتفادي الرد على الهجوم الإسرائيلي المرتقب لمنع التصعيد، بينما ردّ بزشكيان بأنه إذا أقدم الاحتلال على مهاجمة لبنان، فإن الحزب سيرد لا محالة، وأن الأفضل الضغط على الدولة العبرية لثنيها عن خطوتها، ووقف حرب غزة لإنهاء كل التصعيد. وتفيد المعلومات أن ماكرون أجرى اتصالاً برئيس مجلس النواب نبيه برّي أيضاً للبحث في خفض التصعيد.
اجتماعات في طهران
إيران كانت على الخط أيضاً من خلال التفاوض مع الأميركيين والأوروبيين، وإبلاغهم بأنها لا تريد التصعيد وأن الخيار لمنعه هو وقف الحرب في غزة. وإيران طلبت من الحوثيين التهدئة والتريث وعدم الردّ على ضرب الحديدة، وسط تقديرات إيرانية تشير إلى أنه اذا كانت الحرب على غزة ستستكمل بهذه الطريقة فإن الحرب الإقليمية حتمية.
في السياق فتحت قنوات التواصل بين الإيرانيين وكل فصائل المحور، وتعقد اجتماعات في إيران للبحث بالتطورات وللتنسيق. وطلبت إيران من كل الفصائل الاستنفار والاستعداد لاندلاع حرب أوسع ودعم حزب الله.
في الموازاة حصل تنسيق بين الإيرانيين وحزب الله، للاستعداد لكل الاحتمالات. وقد صدرت أوامر عن الحرس الثوري الإيراني لفتح كل مخازن الصواريخ وتوفيرها للحزب. في هذا السياق، جاء استقبال الرئيس الإيراني لنائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، ولأمين عام الجهاد الإسلامي زياد النخالة، كما أن وفداً من حماس برئاسة اسماعيل هنية يزور طهران، بالإضافة إلى وفد من الحوثيين ووفود من الفصائل العراقية. كما أن رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله هاشم صفي الدين توجه إلى طهران، على أن تعقد اجتماعات موسعة لكل هذه الوفود مع الحرس الثوري، ودرس كل الخيارات واتخاذ الإجراءات اللازمة في حال اتسعت رقعة الصراع.