جعجع يسدي خدمة لبري!
الاحداث- كتب عماد مرمل في صحيفة الجمهورية يقول:"على الرغم من الخصومة السياسية، يتفادى الرئيس نبيه بري «عزل» رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع عن الحوار الرئاسي، ولكن جعجع في المقابل يصرّ على عزل نفسه، رافضاً المشاركة في ما يعتبر انّه حوار استعراضي وغير دستوري.
ليس خافياً انّ الخلاف بين بري وجعجع تصاعد في هذه المرحلة، ومع ذلك كان لافتاً انّ رئيس المجلس أكّد رفضه دعوة النواب إلى الحوار أو التشاور بمن حضر، لإخراج مسألة انتخاب رئيس الجمهورية من الدوران في حلقة مفرغة، مشدّداً على أنّه «يتطلّع نحو الدعوة إلى حوار جامع لا يتوخّى كسر فريق أو عزله»، وذلك في إشارة واضحة الى حرصه على مشاركة «القوات» في اي لقاء حواري او تشاوري، لمعرفته بأنّ إنجاز الاستحقاق الرئاسي يحتاج إلى محاولة تأمين أوسع توافق ممكن حوله، قبل اللجوء إلى آخر الدواء وهو الكي الانتخابي، وفق آلية الجلسات المتتالية، اذا تعذّر التفاهم.
يعرف بري انّ مسألة انتخاب رئيس الجمهورية الماروني تنطوي على حساسية مسيحية الى جانب حساسيتها الوطنية، ولذلك هو يفضّل ان تكون «القوات»، بما تعكسه من تمثيل نيابي، شريكة في التشاور المفترض بمعزل عن «تخصّصها» المستجد في التصويب السياسي عليه.
كذلك، يفترض بري انّ وظيفة التشاور المقترح هي حل مشكلة موجودة، وليس اختراع مشكلة اضافية من خلال مقاطعة البعض لهذا التشاور، علماً انّ «التيار الوطني الحر» يعتبر انّ بالإمكان حصوله من دون «القوات» اذا أمكن تأمين حضور 86 نائباً، وهو شجّع رئيس المجلس على سلوك هذا المنحى.
وللعلم، فإنّ بري في مسيرته السياسية لم يجتمع بجعجع في لقاء منفرد (خارج إطار طاولات الحوار) سوى مرّة واحدة خلال إقامته في بربور، حيث زاره رئيس «القوات» يومها وسمع منه نصيحة بأن يدخل حكومة الوحدة الوطنية فرفض واختار دخول السجن، وبالتالي فإنّ اللافت انّه لم يحصل أن زار جعجع مقرّ الرئاسة الثانية في عين التينة منذ أن انتقل بري اليها، ما يؤشر إلى أنّ هناك «حلقة مفقودة» بين الجانبين.
ولئن كان بري قد أوحى بضرورة إشراك «القوات» في التشاور بغية تحصينه وانجاحه، الّا انّ جعجع لم يتلقف تلك الإشارة ولم يبن عليها، بل أكّد في ردّه انّه لن يقبل بأن يكون في «عداد من يشارك في خلق أعراف دستورية» من خلال استيلاد طاولة حوار رسمية قبل انتخاب رئيس للجمهورية، «ومن يريد طاولة استعراضية لحوار غير دستوري فليذهب للمشاركة فيها، ولكن تبقى الأهم دعوة الرئيس بري إلى جلسة مفتوحة بدورات متتالية».
اما بري فإنّه، والى جانب اصراره على أن يستوفي الحوار البعد الوطني الشامل حتى يحقق المراد منه، يدرك أيضاً انّ اي شكل من أشكال إستبعاد «القوات» وعزلها عنه، سيفضي الى نوع من التعاطف معها في الشارع المسيحي، وبالتالي فهو ليس في صدد منح جعجع هدية مجانية.
في المقابل، يبدو جعجع وكأنّه يسدي، عبر اعتراضه على التشاور المقترح، خدمة غير مقصودة لبري، ويساهم في إراحته وتخفيف الحرج عنه، ذلك أنّ رئيس المجلس يعرف انّ التزامه بالذهاب إلى جلسات متتالية، إذا أخفق التشاور المقيّد بمهلة، انما ينطوي على مغامرة سياسية، لأنّه من غير المعروف سلفاً الى ماذا ستؤول تلك الجلسات، وماذا سيكون مصير ترشيح حليفه سليمان فرنجية.
وتعتبر شخصية وسطية في الساحة المسيحية، انّ جعجع يُهمّش دوره بنفسه نتيجة السلبية التي تحكم سلوكه.
وتطرح تلك الشخصية على جعجع الإشكاليات الآتية:
- هل تريد مواجهة «حزب الله» ونزع سلاحه بالقوة حتى تتمكن من فرض الرئيس الذي تجده مناسباً؟ الجواب المنطقي هو «كلا» لأنّ موازين القوى لا تسمح بذلك.
- هل تستطيع مع حلفائك، ضمن قواعد اللعبة السياسية، إيصال رئيس معادٍ لـ»حزب الله» في ظل التوازن السلبي الذي يسود مجلس النواب الحالي؟ الجواب هو أيضاً «كلا».
- هل ترفع السقف السياسي لتحسين شروط التفاوض من أجل الوصول في نهاية المطاف إلى الخيار الوسطي؟ إذا كان الجواب نعم، فاإنّ الطرف الآخر سيفضّل، اذا قرّر التخلّي عن فرنجية، أن يفاوض جبران باسيل وليس انت حول هذا الخيار.
وتعتبر تلك الشخصية، انّ جعجع بحاجة إلى تغيير مقاربته وأخذ العِبر من تجاربه السابقة، حتى لا يدفع من جديد ثمن الخطأ في الحسابات او سوء التقدير.