الأميركيون لا يمانعون انتخابات رئاسية محلية
الاحداث- كتبت هيام القصيفي في صحيفة الاخبار تقول:"منذ ما قبل حرب غزة وبعدها، لا يزال الكلام الأميركي عن احتمالات الانتخابات الرئاسية في لبنان يدور حول نقطة جوهرية: فرصة لبننة الاستحقاق لا تزال قائمة
في موازاة الانصراف الى مواكبة احتمالات التصعيد الإسرائيلي، لا يزال هناك مكان للكلام عن الملف الرئاسي في لبنان، استناداً الى تقاطع معلومات لبنانية وأميركية. ففي ظل انشغال الولايات المتحدة بالعمل على منع امتداد الحرب الى لبنان، تبدو مقاربة ملف الرئاسة في لبنان جدّية ليس لناحية الفراغ فحسب، وإنما ضمن مقاربة شاملة لوضع لبنان ومستقبله. وبحسب معلومات على صلة بمسؤولين عن ملف لبنان في واشنطن، فإن الأميركيين يكررون أنهم لا يمانعون لبننة الاستحقاق الرئاسي مهما كانت الظروف الحالية. وهذا الكلام سبق أن قيل قبل حرب غزة، حين كان هناك إصرار لبناني على إدخال ملف الرئاسة في بازار فرنسي - أوروبي - سعودي - أميركي - قطري، من خلال اتصالات ولقاءات وطروحات متشابكة ساهمت في نهاية الأمر في استمرار الفراغ الرئاسي.
وهذا الكلام أعيد تكراراه بعد حرب غزة، وأخيراً بعد اشتداد المخاوف على لبنان. لا تعطي واشنطن موقفاً معارضاً لمنحى إجراء الانتخابات الرئاسية. وثمّة كلام لدوائر مسؤولة عن ملف لبنان عن ضرورة اتفاق اللبنانيين على رئيس للجمهورية، وأن الوقت لا يزال متاحاً لهذا الاتفاق من دون انتظار التماهي مع متطلبات الدول التي تتدخل في ملف لبنان. وتذكيراً بتجربة انتخابات الرئيس ميشال عون، يتكرر الكلام عن أن واشنطن لم تعارض أو ترفض هذا الانتخاب وإن لم تؤيده كذلك، بل تعاملت معه من موقعه كرئيس للجمهورية. ومنذ بيان نيويورك الأول، لا يزال سقف تعامل واشنطن مع الانتخابات هو نفسه. وتكرار الكلام اليوم، يعيد الكرة الى ملعب المسؤولين اللبنانيين الذين يصرّون على رمي الكرة في ملعب الاتفاق الخارجي والتسويات الإقليمية من أجل إنجاح الانتخابات الرئاسية.
بين واشنطن والدول المشاركة في اللجنة الخماسية حسابات مختلفة، ورؤى مغايرة لما يراد للبنان. هناك حسابات لدول تتعلق بالحفاظ على مصالحها وحماية ظهرها من حملات تستهدفها. في المقابل، ثمة حسابات تتعلق بإجراء تسويات للإتيان بصفقة رئاسية وحكومية تتعلق بإيصال أشخاص محسوبين على هذا الطرف أو ذاك، أو على هذه الدولة أو تلك، في تسويات لم تقل واشنطن مرة إنها تعنيها. لا بل إن واشنطن، بحسب هذا الكلام، لا تزال تتعاطى مع الصورة الكبرى المتعلقة بمستقبل لبنان واستقراره، من دون الدخول في تسويات رئاسية ظرفية كما ترغب بعض القوى محلياً أو خارجياً.
ورغم الطابع العام الذي ينحو إلى تأكيد عدم احتمال حصول انتخابات رئاسية من دون تسوية أميركية - إيرانية، فإن الكلام الأميركي لا يزال يعطي فرصة للقفز فوق هذا الاحتمال إذا ما قررت الكتل النيابية الذهاب الى انتخابات رئيس من دون انتظار تسوية قد لا تصل، نتيجة الاستحقاقات الكثيرة من إيران الى واشنطن.
دوائر أميركية مسؤولة عن ملف لبنان: الوقت لا يزال متاحاً لاتفاق من دون انتظار الخارج
في مقابل هذا الكلام الأميركي، كلام لبناني لا يزال يضع الملف الرئاسي في عهدة واشنطن وتسوية تقوم بها مع إيران والسعودية تحديداً. وتتحدث عن احتمالات وصول الموفد الأميركي عاموس هوكشتين عاجلاً أو آجلاً الى مقاربة ملف الرئاسة مع حزب الله بالواسطة. وهذا يعني أن الأطراف المعنيّين سيضعون على الطاولة أوراقهم الرئاسية من أجل إجراء مقايضة تتدرّج من القبول بأسماء مرشحين حاليين الى وضع أسماء مرشحين آخرين يمكن الاتفاق عليهم إذا ما نجحت المشاورات تدريجاً في التخلي عن الشروط المسبقة والأسماء التي تتمسك بها القوى السياسية من موقعين متناقضين. وهذا يعيد الى القوى المحلية فرصة خربطة الأسماء المتداولة، إذا لم تفصح التسوية نفسها عن الاسم المقترح. لكن ذلك يفتح الباب أمام هذه القوى لممارسة لعبة حرق الأسماء والانتقال الى أسماء قد لا تكون تحمل مواصفات جدية، من أجل إيصال رئيس تتحكّم به القوى إياها.
وهنا الخطورة التي يحذّر منها الكلام الأميركي، فاحتمال التوصل الى تسوية داخلية على اسم رئيس للجمهورية لا يزال ممكناً، من دون تدخلات خارجية، لكن مع الالتفات الى أهمية هذا الانتخاب وفق المواصفات التي سبق أن حددها بيان نيويورك. وما يستدعي التدخل الخارجي هم أنفسهم الذين هم قادرون اليوم على الخروج من دائرة انتظار كلمة السر الخارجية حتى لو كانت أميركية. وملف الرئاسة مختلف في التعامل معه عن ملف الحرب التي تتدخل فيها الولايات المتحدة بقوة لمنع امتدادها الى لبنان وتنفيذ إسرائيل تهديداتها، علماً أن احتمالات هذا التصعيد تفترض أن يكون حافزاً من أجل أن يقارب لبنان ملف الرئاسة من زاوية وضعها بقوة على الطاولة وجرّ الخارج إليها لا العكس.