من الصحف

نظرية «الأوعية المتصلة» التي سمعها هوكشتين

الاحداث- كتب نقولا ناصيف في صحيفة الاخبار يقول:"ليس ادلّ مما ادلى به رئيس مجلس النواب نبيه برّي عن جانب من محادثاته مع الموفد الاميركي الخاص عاموس هوكشتين اخيراً، سوى ان لا جدوى من تنقلات الزائر في الوقت الحاضر الى ان تضع حرب غزة أوزارها

في كل من زياراته المعدّة باكراً او المفاجئة، يحمل الموفد الاميركي الخاص عاموس هوكشتين تصوّراً موحّداً هو نفسه، ويغادر سامعاً الجواب نفسه، واعداً إما بزيارة مكمّلة او بارسال جواب من اسرائيل عما سمع. احياناً يرحل ويغيب طويلاً، ونادراً ما يعود بالرد الذي يتوقعه لبنان وهو رفض اسرائيل ما حمله اليها.ذلك مغزى عدم جدوى الزيارات والجولات بين الدولتين العدوتين. آخرها في 18 حزيران، اتى وفي جعبته - الى التصوّر نفسه لتطبيق القرار 1701 - اقتراح الرئيس الاميركي جو بايدن لوقف حرب غزة. ثمة جانب آخر تحدّث فيه هوكشتين مع المسؤولين اللبنانيين أخيراً، معرّجاً عليه، هو انتخابات رئاسة الجمهورية المعلقة. ما استنتجه بعض هؤلاء من حديثه ان الاستحقاق مؤجل الى ما بعد استعادة جنوب لبنان استقراره، المعطوف على توقف حرب غزة، دونما المغالاة في الحديث عن الجهود والمساعي.
ما انتهت اليه زيارة هوكشتين اقتضبها الموقف الاخير لبرّي، بأن كليْهما تبادل والآخر شروطه لوقف التصعيد في الجنوب، المرتبط في الاصل بوقف حرب غزة توصلاً الى تنفيذ القرار 1701 واعادة الروح اليه. تالياً، لم تقدّم الزيارة اي اضافة الى الزيارات التي سبقتها من ضمن التصوّر نفسه الذي حمله هوكشتين، ولم تطمئنه الى اطفاء جبهة الجنوب قبل اطفاء حرب غزة، ولا الى موافقة لبنان على التفسير الذي تريده الدولة العبرية لتطبيق للقرار 1701.
ليست هذه فحسب الخلاصة التي يقدّمها المسؤولون لزيارة هوكشتين. ثمة ما يمكن ضمّه اليها في ملاحظات منها:
1 - اعتقاد الزائر الاميركي ان امامه مهلة ثلاثة اسابيع، في ظنه انها كافية لانهاء سيطرة اسرائيل على رفح، يتوخى في خلالها الحصول على موافقة حزب الله من خلال رئيس البرلمان على فصل ما يجري هنا عما يجري هناك.
2 - أحضر هوكشتين معه مخاوف من اخطار التصعيد العسكري المتزايد بين اسرائيل وحزب الله، يُنبىء بالوصول الحتمي الى حرب مفتوحة لا احد يملك التكهن بمآلها ونتائجها. لم يكن الجواب الذي سمعه سوى نظرية «الاوعية المتصلة». ما يحدث في غزة يتمدد الى لبنان، شأن تمدده الى مناطق اخرى في الاقليم. تالياً الاوْلى البحث في المصدر الاول لتدفق الاضطرابات. نظرية «الاوعية المتصلة» تجعل حزب الله وفتْحه جبهة الشمال على اسرائيل ورقة قوية تملكها حماس لفرض وقف النار.
ما حمله الزائر الاميركي ليس بعيداً مما يتيقن منه المسؤولون اللبنانيون، من ان الحرب المفتوحة قد تمسي في لحظة ما احتمالاً مرجّحاً، رغم معرفتهم بموقف حزب الله، وهو تمسكه بقواعد الاشتباك بينه وبين اسرائيل بشتى اصولها، منذ اولاها عام 1996 مروراً بعام 2000 استمراراً الى عام 2006 وانتهاء بالحاضر. لن يبادر الى افتعال حرب مفتوحة مع اسرائيل، لكنه مستعد لها. على طريقته في ايصال الرسائل بالمضمون نفسه والمماثل في تشدده، كمفاوض لا يستغني الاميركيون عنه، اعاد برّي تأكيد الموقف المزدوج ذاته بقوله ان المقاومة تتمسك بقواعد الاشتباك المتفق عليها، وبجهوزها للمضي في المواجهة.
3 - في حسبان مسؤولين لبنانيين، في تقويم لأصداء ردود الفعل الاوروبية بعد الاميركية في ضرورة تجنب حرب جديدة مفتوحة بين اسرائيل وحزب الله ومخاوفهم من تداعياتها على المنطقة، ان هذه قائمة فعلاً دونما ان تكون مفتوحة تماماً. كلا الطرفين يستخدمان اسلحتهما دونما ان يتكافآ بالضرورة، سواء اسلحة الحرب براً وجواً او الحرب النفسية والاعلامية والتخويف المتبادل، وهذه كلها لم تعد تقتصر على الاشتباكات وتطاول الممتلكات والمدنيين والاحراج والبستانين لتصل الى المنشآت العسكرية المحظورة. لم تعد المشكلة في مبدئية وقوع الحرب المفتوحة ولا توسيع نطاقها، بل في التوقيت غير المتفق عليه بعد.

قواعد الاشتباك نافذة الى إشعار آخر بدءاً بأصولها الاولى عام 1996 وصولاً الى الآن
4 - التطمينات المتوافرة لدى المسؤولين اللبنانيين تتجمع من حول اصرار اميركي - اوروبي، الى اشعار آخر على الاقل، على ابقاء المواجهة بين حزب الله واسرائيل تحت سقف قواعد الاشتباك. على ان الانخراط في حرب مفتوحة كي تنجح - اذا كانت ستنجح - تحتاج الى شركاء اميركيين واوروبيين مع اسرائيل في خوضها واتمامها في اسرع وقت. ذلك ما هو معلّق قرارها في الوقت الحاضر. الاميركيون على ابواب انتخاباتهم الرئاسية، والاوروبيون تستنزفهم حرب اوكرانيا. خلافاً لهؤلاء واولئك يستعجلها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في اي لحظة.
5 - يلاحظ المسؤولون تعويل هوكشتين على التصوّر الذي يحمله لتنفيذ القرار 1701 تبعاً لشروط اسرائيل، على انه مدخل لفكّ ربط ما يجري في جنوب لبنان عما يجري في جنوب اسرائيل، كما لو انه يصلح للموافقة عليه وتطبيقه قبل وضع حرب غزة نهاياتها. في رأس همومه عندما يتحدّث عن مساحة خمسة الى ثمانية كيلومترات ينسحب منها حزب الله الى الشمال، لا الى شمال الليطاني بالضرورة، يفصح عن وزر ما تواجهه اسرائيل حيال استمرار تهجير سكان المستوطنات وسعيها الى عودتهم اليها في اسرع وقت بعدما أضحت عبئاً ثقيلاً. بيد ان ما يعكسه الزائر الاميركي ان في الامكان في الوقت الحاضر صوغ الحلول على الورق، وربما مباشرة تطبيقها جزئياً قبل الوصول الى وقف شامل للنار ايذاناً بانتهاء الحرب.
اما ما يسمعه، فهو ان السيناريوات الجدية للتسوية تُبنى في ضوء حقائق الارض وما تكون انتهت اليه الحرب ورابحوها او الخاسرون فيها. تلك الحقائق غير متوافرة في الوقت الحاضر: لا حرب غزة على ابواب وقف النار، ولا هي تعبر الساعات الاخيرة من الحرب على الاقل.