من الصحف

هناك نساء شاركنَ في العصابة وفتيات أصبحنَ ضحايا
الـ"تيكتوكرز" "جوفي": حلّاق بعمر الـ 12... ومغتصب بعمر الـ 50

الاحداث- كتبت نوال نصر في  صحيفة “نداء الوطن” تقول:"حين يكون الفعل شنيعاً إلى هذا الحدّ، يُصبح الكلام باهتاً مهما قيل، والخوف كبيراً رهيباً يستنفد المحيط مهما جرت محاولات لإعادة «تبسيطه»! فأن يعبث من يسمون أنفسهم «تيكتوكرز» مع أطفالٍ، بسكينٍ مسننة، قوامها: إغتصاب وابتزاز ومخدرات لهو قمّة البذاءة والحقارة والقرف والسفالة… لكن، واقعياً، هل علينا أن نُصدّق كل ما سمعناه؟ هل هناك من رمى على الحادثة الملح والبهار؟ أم أن ما قيل عن عصابة إغتصاب الأطفال في لبنان من بوابة «تيك توك» ليس إلا نسبة مئوية متواضعة من حقيقة قد لا يتصورها عقل؟ قصدنا موقعة الجريمة الأولى في صالون الشعر «Hair zone» محاولين جمع أدلة جديدة من بين «كمّ» المعلومات في قضيّة يفترض ألّا تمرّ بهدوء.
لم ينتبه أحد في المساحة الجغرافية التي تفصل بين مفرقَي الروضة والسبتية، حيث يوجد صالون «هير زون» الخاص بالرجال، في سنتر سانت ريتا، أن أشياء غير أخلاقية تحدث. جيران الصالون في ذهول. شباب يتناولون المناقيش على الرصيف، أمام محالهم، ويتأكدون أن تطبيق التسجيل مقفل في هاتفنا قبل أن يتكلموا. وحين يتكلمون يعلنون: لا نعرف شيئاً. ويستطرد أحدهم: «التحقيق لم يُقفل والإشاعات لا بُدّ كثيرة. التيكتوكرز جورج مبيض (صاحب الصالون) كان يُصوّر فيديوات في محلنا. حذفناها كلها كي لا يقال أن لنا علاقة به. كنا زبائن محله لكن هي المرة الأولى التي نعرف فيها أنه ينضوي ربما في عصابة». لا يريد الشباب التصديق أو يصدقون ولا يريدون الإعتراف.

في محلٍ محاذٍ، صالون شعر آخر للرجال يملكه العمّ فوزي. هو رجل مسنّ. زبائنه «مسنون»(مبدئياً) وبين يديه زبون وعلى كراسي الإنتظار ثان. نسألهم عن «الجار» المتهم بانضوائه في العصابة فيحاول ثلاثتهم «التهرّب» من الكلام إنطلاقاً من مقولة: إذا كان الكلام من فضّة فإن السكوت من ذهب. لكن، هل يجوز السكوت عن فضيحة من هذا العيار؟ من دون أن يجاوب ثلاثتهم عن هذا الإستفهام يبدأون في شرح بعض التفاصيل: «كان جورج مبيض (الموقوف) ويعرف باسم جوفي يعمل في صالون فوزي هذا. أتى بعمر الثانية عشرة. وبعد سنوات غادر هو وصبي آخر يلقب باسم «يوبلا» وفتحا محلاً عند الزاوية (يبعد مسافة مئة متر من صالون فوزي)، ويوم تمّ هدم المبنى العتيق وبناء سنتر مكانه إنتقل «جوفي» الى المحل المحاذي لصالون فوزي. حصل هذا عام 2012 تقريباً. هو لم يتعلم ولم يتزوج. وأهله يسكنون في المنطقة أيضاً. المحل الذي يشغله يملكه شخص من بلدة آسيا (في قضاء البترون) إسمه فنيانوس. إستأجره بمبلغ 800 دولار على ما قال لكن، بعد أحداث 2019، أصبح يُسدد 600 دولار شهرياً. لا أحد لاحظ ما يحدث لكن الجميع كانوا يسمعون «كتير حكي» على تيك توك. وهو لم يكن يبدو ذكياً «فوق العادة». فكيف فعل ما فعله؟ يسأل أحد معارفه ذلك.

باب الصالون الحديدي مقفل وعليه ورقة نعوة: قداس وجناز بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاة سيسيليا عبود زوجة الياس المبيض. هو أربعين والدته. والموعد في العاشر من أيار هذا. هم لبنانيون؟ يجيب أحد المعارف: والده كان يتكلم اللهجة السورية.

بعيدا عن الموقعة، التي لا تؤشر الى حدث فوق العادة، أخبارٌ ليست عادية أبداً «ضجّ بها لبنان وما بعد بعد لبنان». ثمة أطفال أغتصبوا. ثمة أطفال أجبروا على تعاطي المخدرات. وثمة ما يشيب له شعر الرأس. التيكتوكرز هادي هضام، وهو مراهق، كان أوّل من أفشى أسرار هذه العصابة. يتبع هادي 314,3k. هو يبدو حالماً. جميل جداً. يغني ويقوم بحركات يعشقها المراهقون والتعليقات على ما يقدمه تؤكد سيطرته على من هم في عمره: نحبك. كم أنت جميل. يا حياتي. يا عمري إنت… هادي (الذي تقول المعلومات إنه يقدم محتواه باسم وهمي) هو «المغناطيس»- مع آخرين يشبهونه – تستخدمهم العصابة لجذب المراهقين. ثمة عمل «مبكل». جورج المبيض يجذب الشباب الى صالونه، من خلال قصات شعر ومحتوى يرفع فيه مقولة: حبيبي بتشرب شي؟ أما غيره فيجذبون الشباب بأساليب أخرى. ثمة عصابة قسّمت العمل بإتقان.

فلنبحث على مزيد من التفاصيل؟ خبير التواصل الإجتماعي بشير التغريني جمع كثيراً من التفاصيل، مع إصراره طبعاً على التذكير «بأن ما سمعنا به ليس بأمرٍ جديد. لكن، الجديد هو أنه ظهر الى الخارج من خلال الـ «أونلاين». النساء الساقطات موجودات من زمان وزمان. الفجور موجود. المغتصبون موجودون. المجرمون، الفاسدون، وتجار المخدرات أيضاً وأيضاً. لكن، ما فاجأنا اليوم هو ظهور شبكة منظمة عبر «الأونلاين»، بمعنى ظهورها في مكان غير «تحت الجسر» وعند زوايا الطرقات. ما حصل، أظهر أن السارق والمريض النفسي والحقير والمعتدي أصبح لديهم منصات يستطيعون من خلالها التقاط فريستهم حتى داخل البيوت وغرف النوم، حتى أصبحوا كما الشبكة العنكبوتية».

ما دامت الحال هكذا، فهل من سبيل الى إجراء رقابة على التيك توك؟ يجيب التغريني: «لا، هذا صعب جداً، لأن المنصة صينية. إنها منصّة يدخل إليها للأسف المراهقون، كما تجار المخدرات، كما المختلون والفاسدون». ويستطرد: «أفراد العصابة عرفوا كيف يستميلون أطفالاً يهوون «الجيل» وقصّة الشعر المودرن والجينز الضيق. وما نحن في أمسّ الحاجة إليه هو صدور قانون، عبر لجان البرلمان والمعلوماتية، يجعل لكل حساب بصمة إلكترونية كما السجل العدلي».

عناصر شعبة المعلومات قدموا يوم الثلاثاء الماضي (في 30 نيسان) لجلب صاحب صالون الشعر الخاص بالرجال جورج المبيض الى شعبة التحقيق. ويقول التغريني: «لم تصدر بحقه مذكرة إستدعاء بل أمرت النيابة العامة بجلبه فوراً وهذا ما حصل. والمقدم باتريك عيد، من شعبة المعلومات، يتعامل مع الحدث بدقة ورقيّ كبيرين. هو حريص أن يزرع الطمأنينة في نفوس الصغار الذين تعرضوا – أو ربما يكونون قد تعرضوا- الى اغتصاب. مكتبه مفتوح وما يهمه، بحسب ما علمت، هو أن لا يخاف الصغار. يستقبلهم عشر دقائق كحدّ اقصى. أما المراهق «التيكتوكرز» المسمى هادي، الذي يساعد في جذب الأطفال، فطلب له طبيباً نفسياً. إنهم يعتبرون في شعبة المعلومات الصغار ضحايا فوراً. وما يهمهم هو تعليمهم كيف يحمون من الآن وصاعداً أنفسهم».

في هذه القضية، قضية إغتصاب الأطفال، ظهر على تيك توك حساب «شاويش التيك توك الحشور». هو حساب يعمل صاحبه على «إفشاء» ما يعتبر أنها حقيقة يفترض أن تظهر للعيان. الشاويش الحشور ذكر في حسابه أن المسبحة كرّت: دكاترة ومحامون ومهندسون ضالعون، منهم من يعيشون في طرابلس ويلجأون الى الضاحية أو بالعكس. الشاويش الذي لاقى استحسان أصحاب التيك توك «المسالمين» ساهم في إفشاء معلومات مثيرة عن الـ «هير زون» ووعد بمفاجآت جديدة في ملفات أخرى. هو خزان معلومات على ما بدا. يتحدث عن دعارة إلكترونية تسيطر سيقف في المرصاد لها. ويتحدث عن نساء فاسقات. كلامه «يفش» خلق الكثيرين وهذا، على الأقل، جيد. في المقابل، كلامه لا بُدّ انه يجعل الكثيرين – ممن اعتقدوا أنفسهم في أمان – في مهبّ الفضائح المدوية.

لكن، هل من يعلم من هو الشاويش الحشور؟ في المعلومات، يرجح أنه كان واحداً من «العابثين» واختلف معهم فرفعوا عليه دعوى «قدح وذم»… قد تكون هذه المعلومة صحيحة وقد لا تكون، لكن، من يتابعون الملف يجزمون بذلك.

فلنعد الى العصابة التي أصبحت أخبارها اليوم على كل شفة ولسان. عدد الموقوفين يزيد. جورج المبيض، المدعو جوفي، ليس رئيس العصابة. هذا ما تمّ تأكيده. هو أخذ من صالونه، من دون أن يبدي أي مقاومة، ومعه جرى أخذ «دي في آر» (أجهزة تسجيل الكاميرات في الصالون). ويُحكى أنه ظهر فيديو اغتصاب طفل على هاتفه لم يكن قد محاه بعد. لا حواسيب كانت موجودة في الصالون. وتمّ لاحقاً إيقاف رفيقه إيليو المعروف بتكرار عبارة: ببلوه. وهناك شخص ثالث ضالع في التهمة ومعروف باسم «آبو» (اسمه عبدو كيسو) يملك محلا لبيع ثياب خاصة بالشباب ويهواها المراهقون. يقال أنه كان يستقدم بعضهم الى المحل لإجراء ما يُشبه «الديفيليه» ويقدم لهم هدية مقابل كل مهمة عبارة عن «تيشرت». وهو، بعد أن بدأت الأسماء تتساقط مثل الدومينو، حاول الهروب لكنه أوقف في مطار بيروت.

نعود الى خبير التواصل الإجتماعي بشير التغريني الذي يتابع أخبار «السوشال ميديا» بعناية فائقة لنسأله عن ما لفته بعد في ملف عصابة الإغتصاب؟ يجيب: «ما لفتني – ويفترض أن يلفت الدولة – أن التيكتوكرز يطلون عبر حساباتهم للقول إنهم يربحون 40 ألف دولار وأكثر من «التيك توك». فأين وزارة المال؟ الدولة مهملة على كل الصعد. والأكيد اليوم، أنه لولا حراك شعبة المعلومات، على الرغم من قلة إمكانياتها، لما فتح هذا الملف الخطير».

الجنون فنون على تيك توك. الأسماء التي تتهاوى كثيرة. ثمة نساء مشاركات في العصابة وفتيات من بين الضحايا. والثابت، أقله حتى الآن، أن جورج المبيض ليس «سيّد العصابة» وحده وأن الضحايا قد يتجاوز عددهم السبعين. الإستدعاءات في الملف كثيرة لكن قد لا تتمكن شعبة المعلومات من التحقيق مع كل الضحايا لأن العديد منهم يعتبرون اليوم أن الشكوى قد تلحق بهم أذى آخر. فأفراد العصابة أقوياء. وهم بغنى عن مشاكل أخرى.

كثيرة هي التفاصيل. ثمة كلام عن استخدام تطبيق «دارك ويب» في الملف، وسواه من التطبيقات، حيث توضع فيديوات إغتصاب الأطفال ليراها من يستلذون بهكذا مشاهد فظيعة مورست في فنادق وأماكن سياحية إقتيد إليها هؤلاء الصغار. في المقابل، هناك من وزعوا صور الأطفال الذين سبق وقصوا شعرهم في الصالون وهذا خطير لأنهم سيسيئون إليهم وإن كان عن غير قصد. هؤلاء قد لا يكونون تعرضوا الى الإعتداء لكن نشر صورهم خطير. وأيضا، هناك من سارع الى إعطاء صفة حزبية الى جورج المبيض بحجة أنه يضع صليباً مذهباً كبيراً على صدره. أخطأ هؤلاء عن سهو ربما، وربما فعلوا هذا عن قصد لتغيير مسار القضية؟ لا يهم. فنحن بلغنا منحدراً خطيراً من اللاأخلاقيات وبدل أن تكون وجهة الجميع: الكشف عن كل العصابة إنهمكوا في تخيلات وافتراءات و»هبل» إضافي.

أب؟ أم؟ عم وعمة وخال وخالة وجد وجدة؟ إنتبهوا الى أطفالكم فالخطر الذي يحوم كبير.