النازحون بين ممانعة الأسد وغياب رئيس للجمهورية
الاحداث- كتبت روزانا بو منصف في صحيفة النهار تقول:"لا جدل بان موضوع النازحين السوريين يثقل بقوة على لبنان تماما وفق ما بات يعلن غالبية المسؤولين فيه لا سيما بعد التعديات والجرائم الاخيرة التي ارتكبها سوريون والتي تتواصل وفق اشكال مختلفة في كل المناطق اللبنانية. واذا كان الموضوع حق مطلق للبنان واللبنانيين، يمكن القول بالمقدار نفسه ان هناك همروجة تثار كل سنة ايضا قبيل مؤتمر النازحين السوريين الذي يعقد في بروكسيل في ظل مزايدات سياسية داخلية لا تنتهي وتحت سقف الخشية التي بات مسلما بها تقريبا ان لا افق واقعيا لعودة القسم الاكبر من هؤلاء الى بلادهم قريبا ولا اي قدر ممكن من المساعدة الانسانية يمكن ان يدرأ عن لبنان مستقبلا قاتما ولا حلول سريعة او سحرية للموضوع . فيما ان كل المحاولات التي قيل ان الحكومة او بالاحرى الدولة اللبنانية قامت بها باءت بالفشل ويعود ذلك الى سبب رئيسي يتصل بامتناع الرئيس السوري بشار الاسد عن التجاوب مع موضوع اعادة النازحين ايا تكن التوزيعات التي تعتمد لهم . فهذا الموضوع مرتبط مباشرة باثمان سياسية يرغب في تحصيلها من الدول المؤثرة لقاء اعادة الاقرار بشرعيته غربيا في الدرجة الاولى ولقاء انفتاح ومساعدات لا تبدو الدول الغربية حتى الان في وارده فيما انه يمتنع عن القبول بالجلوس الى طاولة الحوار مع المعارضة السورية للتوصل الى اتفاق سياسي وفقا لقرار مجلس الامن 2254 بذريعة اعتراض روسيا ، الحليف الوثيق والداعم للنظام، على جنيف كمركز لعقد الاجتماعات الحوارية في أعقاب فرض سويسرا عقوبات على روسيا ردا على غزوها لأوكرانيا في العام 2022. انها دائرة مقفلة على هذا الصعيد لم يكسرها حتى دعوة النظام السوري الى العودة الى الجامعة العربية العام الماضي ومشاركته في القمة العربية التي عقدت في الرياض انذاك . وخلال سنة كاملة مع الاستعداد لقمة عربية مقبلة تعقد في البحرين في الاسابيع المقبلة، لم يطرأ جديد يذكر يسمح بتطور معلن وظاهري على المستوى السوري على رغم الاعتقاد ان النظام تموضع في الحرب الاسرائيلية على غزة في مكان يسمح له بقطف بعض الثمار العربية وربما الغربية ايضا وهو تحدث اخيرا عن اتصالات مع مسؤولين اميركيين رجحت بعض المعطيات ان تكون حصلت ، في حال حصولها، من اجل الافراج عن الاميركي اوستن تايس . وذلك فيما ان الضغط الهائل الذي يشكله النازحون السوريون على لبنان قد يوظف في اطار ان يضغط لبنان بدوره من اجل الانفتاح غربيا على الاسد من اجل المساعدة في ايجاد حل للنازحين ولكنها وسيلة فاعلة يظهر الغرب انه لا يقع فيها ايا كانت الكلفة على لبنان الذي يترك لمصيره الى حد بعيد على هذا الصعيد ما دامت القوى السياسية فيه لا تأبه باعادة تشكيل المؤسسات الدستورية او تتحارب حولها ما يجعل لبنان بلدا تستهين به الدول القريبة كما البعيدة . والموقف اللبناني المشرذم ولو ان هناك اجماعا مبدئيا على ضرورة حل موضوع النازحين ، يبقى موضوعا سياسيا واعلاميا وشعبويا فيما الحكومة تبريء ذمتها بين فينة واخرى باجتماعات او بمشاركة دولية لا تسمن ولا تغني. فموضوع النازحين كما سائر الملفات في لبنان لا نقص في الاراء ازاءه ولا في مقاربة الحلول حول ما يجب فعله تماما كما هو الوضع ازاء كل الأزمات المتعددة في لبنان ، ولكن اكثر ما تركز هذه الآراء على الأعراض وليس العلة الأساسية المتعلقة برفض النظام السوري عودتهم وتاليا عدم امتلاك لبنان القدرة على التأثير في ذلك او تغييره لا سيما اذا كان يمكن ان يشكل اداة فاعلة في اتجاه اعادة الانفتاح الغربي عليه او ان يخدمه غياب وانفكاك المؤسسات وانحلالها او ايضا وجود النازحين الذين يخففون عنه عبئا هائلا فيما ينقلون العملة الصعبة من لبنان الى سوريا من دون استبعاد امكان توظيفهم في الوقت المناسب لمصلحته كذلك . فمع ان النظام بات اضعف بكثير من السابق ولم يعد كما كان قبل 2011 ، ولكن يخشى انه لا يزال يملك الادوات التي يوظفها لخدمة مصالحه في لبنان والضغط عليه وعلى مسؤوليه .
هذه الاشكالية تقر بها دوائر ديبلوماسية غربية ، ولو انها لا تتلقفها او يخشاها اللبنانيون بحكم عقود طويلة من السيطرة السورية ، الى جانب اعتبارها ان الثغرة الاساسية تكمن في عدم وجود رئيس للجمهورية يتولى ادارة البحث ان حلول لهذا الموضوع ان مع النظام السوري عبر المستويات المطلوبة او مع الدول الغربية عبر مقاربة جامعة من كل الطوائف والقوى السياسية في الوقت الذي لا تتمتع حكومة تصريف الاعمال لهذه الصفة ولا كذلك رئاسة مجلس النواب. هذا لم يمنع الدول المعنية التوجه الى لبنان بمؤسساته القائمة حاليا ان عبر رئاسة الحكومة واكثر عبر رئاسة مجلس النواب من اجل السعي الى ايجاد حال من التهدئة في الجنوب والسعي الى اتفاق يوقف التدهور على الحدود بين لبنان واسرائيل . وعلى رغم ان الكلام الديبلوماسي قد يصب في خانة الحض بقوة على انتخاب رئيس للجمهورية لان لبنان يخسر الكثير في الشغور الحاصل، فانه يجب الاقرار بان لا ضغوط فعلية من الخارج مورست وتمارس في هذا الاطار حتى الان . لا بل يخشى كثر انه في حال لم يتم البناء على الزخم الذي يمكن ان يشكله وقف الحرب في الجنوب والجهود التي بذلت لوقفها لاعتبارات اقليمية ، وضرورة انطلاق اعادة اعماره من اجل تأمين انتخاب رئيس للجمهورية ، ان يترك الامر لاشهر طويلة ويتم اهماله اكثر فاكثر .