ما قصّة الورقة الفرنسيّة المعدّلة وبمَ تختلف عن الورقة الأميركية؟
الاحداث- كتبت سابين عويس في صحيفة النهار تقول:"يصل إلى بيروت غداً السبت وزير خارجية فرنسا ستيفان سيجورنيه حاملاً في حقيبته النسخة المعدلة من الورقة الفرنسية المقترحة لتسوية الوضع في الجنوب، وذلك بتكليف من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كنتيجة لمحادثات الساعات الثلاث مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب #ميقاتي في قصر الإليزيه قبل أيام.
والمعلوم أن الورقة كانت قد أثارت لغطاً كبيراً بعدما سلمها سيجورنيه في زيارته الأولى لبيروت إلى المسؤولين اللبنانيين في مطلع شباط الماضي، بعدما وصفها لبنان بغير الرسمية إذ تسلمتها وزارة الخارجية مرفقة بكتاب من السفارة الفرنسية يشير إليها بالمذكرة المستند "non papier” وفيها "اقتراحات للحد من التصعيد وإنهاء أزمة الحدود اللبنانية الإسرائيلية في شكل مستدام، بناءً على تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم ١٧٠١. وقد ترجمت الورقة التي أتت تحت عنوان "اقتراح بشأن إجراء ترتيبات أمنية بين لبنان وإسرائيل إلى اللغتين الفرنسية والعربية.
وتوزعت على ٣ مراحل، تدعو الأولى المجموعات المسلحة اللبنانية إلى وقف العمليات العسكرية في إسرائيل وفي المناطق المتنازع عليها، والامتناع عن شن الهجمات على قوات اليونيفيل وضمان حرية تنقلها، بما في ذلك إجراء دوريات في المناطق المأهولة وغير المأهولة في جنوبي الليطاني دون أية قيود. يقابل ذلك من جانب إسرائيل وقف عملياتها والامتناع عن أي عمل يعرّض اليونيفيل للخطر، وضمان حرية تنقلها. ومن جانب لبنان الشروع في مراقبة الوضع ميدانياً وضمان تنفيذ وقف الأعمال العدائية. وتمتد المرحلة الثانية على ٣ أيام يُطلب فيها من المجموعات اللبنانية الشروع في تفكيك مواقعها على الخط الأزرق وتراجع كل المقاتلين ومن بينهم أفراد ميليشيا الرضوان أولاً والمنظومات العسكرية ومنها الأسلحة البعيدة المدى والنظم المضادة للدبابات ثانياً بمسافة ١٠ كلم على الأقل شمالي الخط الأزرق.
ونصّت الورقة كذلك في نسختها الأولى على أن على إسرائيل الامتناع عن التحليق فوق الأراضي اللبنانية واستئناف المشاركة في اجتماعات اللجنة الثلاثية. وطلبت إلى لبنان الشروع في نشر ١٥ ألف جندي في منطقة جنوبي الليطاني وعلى طول الخط الأزرق بدعم من قوات اليونيفيل والشركاء الدوليين المعنيين. وطلبت الورقة كذلك من قوات الأمم المتحدة دعم انتشار القوى العسكرية اللبنانية وتأمين الدعم اللوجستي لها. وفي المرحلة الثالثة الممتدة على عشرة أيام اقترحت الورقة استئناف المفاوضات تدريجاً في شأن ترسيم الحدود البرية. والتركيز أولاً على المناطق التي جرى النقاش في شأنها سابقاً في إطار عمل اللجنة الثلاثية وعقد مفاوضات حول خريطة طريق لضمان إنشاء منطقة بين الخط الأزرق والليطاني خالية من المسلحين.
ردت السلطات اللبنانية على الورقة ولكن بشكل مبدئي وعام من دون أن تدخل في تفاصيل البنود الواردة فيها، مكتفية بتأكيد التزامها القرار الدولي الصادر عن مجلس الأمن، مع التشديد على أن لا بحث في هذا الالتزام قبل وقف إطلاق النار في غزة. وبعدما مضى وقت غير قصير على الرد اللبناني وعدم صدور أي متابعة لمصير الاقتراحات الواردة فيها، فيما المواجهات جنوباً تتصاعد وتيرتها في شكل متسارع، عادت الورقة إلى الضوء من طاولة قصر الإليزيه لتقترح باريس إدخال تعديلات عليها أحيطت مضامينها بالسرّية، على أن يسلمها سيجورنيه إلى المسؤولين اللبنانيين الذين سيلتقيهم في بيروت، قبل أن ينتقل إلى #الرياض فتل أبيب.
في الخلفيات، أن باريس انطلاقاً من تطورات الجنوب قررت الدخول على خط التهدئة من أجل خفض حدة التصعيد ومخاطر انزلاقه إلى حرب أوسع، في سعي منها لفصل الملف الرئاسي عن الملف الأمني الجنوبي. وفي كل المحادثات التي أجراها موفدوها، تأكيد على التنسيق مع الأميركيين. والواقع أن الورقة الفرنسية طُرحت بعدما كان الموفد الأميركي آموس هوكشتاين يجول طارحاً ورقة أميركية بالمعنى عينه ولكن ليس بالاقتراحات عينها. وقد وضعت ازدواجية الورقة الفرنسية وتلك الأميركية لبنان في موقع حرج ومربك نظراً إلى التباين بين مضمون الورقتين، فآثر التريّث والمراوحة فيما جبهة غزة تشتعل ومعها جبهة الجنوب، علماً بأن واشنطن تعمل على مستوى المنطقة لا فقط لبنان.
وقد دفعت زيارة وزير الخارجية الاميركي أنطوني بلينكن قبل فترة لباريس ومحادثاته مع الرئيس الفرنسي وحديثه عن التشاور والتنسيق، الفرنسيين إلى استغلال الفرصة المتاحة لتحريك الجهود الديبلوماسية التي تقوم بها باريس. وتؤكد مصادر سياسية مطلعة أن فرنسا تسعى إلى تقريب ورقتها من الورقة الأميركية، الأمر الذي يفسّر التعديلات المقترحة من قبلها، على نحو يساعد في تبنّيها. وسيكون هذا الموضوع على جدول أعمال زيارة رئيس ديبلوماسيتها لبيروت، بحيث تتكشف معالم التعديلات، ومدى استعداد لبنان وإسرائيل للسير فيها كمدخل للتسوية. ولكن الأكيد وفق المصادر أن لا تسوية من دون الضوء الأخضر الأميركي والمباركة الأميركية، ما يعني عملياً أن لا تسوية إلا من خلال البنود الأميركية!